صرح مسؤول في إحدى البورصات الخليجية أنه لم يعد أحد يملك أدوات التحليل الفني التي يمكن الاعتماد عليها في التنبؤ بحركة البورصة وعليه فليس أمامنا سوى العامل النفسي الذي يرفع ويهبط بالأسواق الخليجية والعالمية في هذه الايام، وهذا العامل ليس جديدا على الاسواق، فخسائر البورصات الاميركية والاسيوية والاوروبية على مدار القرن العشرين، لم تحدث فقط لأسباب متعلقة بالأداء المادي للسوق، بل حدثت ايضا لأسباب نفسية لم يكن من الممكن التحكم فيها أو السيطرة عليها· إن المقصود بالعامل النفسي هو اعتماد المستثمرين على أمور غير ملموسة مثل الشائعات، والخوف، والميل للسلوك الجماعي، والهروب السريع عند الخطر، والتفاؤل والتشاؤم· وقد لعبت العوامل النفسية دورا كبيرا في عدد من أبرز الانهيارات في البورصات العالمية، أكبرها وأولها انهيار بورصة (وول ستريت) في واحدة من أسوأ الكوارث المالية في القرن العشرين، ففي ديسمبر عام 1920 كان متوسط قيمة مؤشر داو جونز في الأسهم الرئيسة ببورصة نيويورك 66,75 نقطة وبحلول سبتمبر ،1929 كان المؤشر قد بلغ 381,7 نقطة أي بارتفاع بلغ نحو 570%، حينها انتشرت نظرية الأحمق الأكبر التي تفيد بأن المستثمر ربما يكون أحمقاً إذا اشترى سهماً بمائة دولار، لكنه لن يكون كذلك إذا وجد شخصاً اكثر منه حماقة مستعداً لشراء السهم نفسه بـ 110 دولارات· وكالعادة بدأ الاقتصاديون بالتحذير من مغبة هذا الارتفاع المبالغ فيه، ولكن تم تجاهل دوي صافرات الإنذار، ودقت ساعة الصفر عندما افتتحت البورصة في الثامن عشر من اكتوبر على هبوط مفاجئ وكبير، نبه حاسة الخوف لدى المستثمرين فاندفعوا نحو البيع مع إقبال المزيد من المستثمرين على تحويل حصتهم في الأسهم الى سيولة لسد ديون الائتمان المترتبة عليهم ودفع مستحقات البنوك التي بدأت بالضغط بعد انخفاض الأسعار· هبط الاقتصاد الاميركي هبوطا عنيفاً في اليوم التالي، وهو ما عرف في وقته بالخميس الأسود، عندما تم بيع 13 مليون سهم بأسعار زهيدة في مختلف القطاعات والصناعات، وفي 29 أكتوبر (الاثنين الأسود الشهير)، تم بيع 76 مليون سهم وانهارت الاسعار اكثر من قبل بسبب شائعات انهيار السوق، والسلوك الجماعي الذي تمثل في البيع الجنوني· المأزق التاريخي الذي نشهده اليوم يعيد انتاج أزمة الثلاثينيات بنفس الطريقة ما يستدعي إجراءات حازمة، فتلك التدخلات التي تحدث عنها جورج بوش على مستوى العالم وتلك التي وعد بها المصرف المركزي لم نجد لها أي أثر أو صدى على حركة السوق، ما يضطرنا للتذكير بفكرة تأسيس صناديق استثمارية حكومية تساهم في ضبط حركة السوق فيما يمكن تسميته بصانع السوق، إضافة لضبط آليات العمل بضوابط من الشفافية والحوكمة التي تمنع التلاعبات التي أصبحت مكشوفة جدا في سوقنا المحلي، وخاصة أصحاب المحافظ المشبوهة· إن مستثمرين كثر راحوا ضحايا سهلة لجهلهم بالسوق ومعادلاته الصعبة أولا، ولعدم تفعيل قوانين الرقابة والمتابعة والشفافية ثانيا وبخاصة على مكاتب الوساطة التي تورط عملاؤها في عمليات شراء ضخمة على المكشوف بإغراء الربح السريع والمجاني، أما حين تهبط المؤمشرات فالخسارة من نصيب المستثمر وحده بينما يضمن الوسيط أرباحه في كل الأحوال !!