نشر الروائي البرازيلي باولو كويللو، على موقعه الإلكتروني، قائمة بأمنياته التي لم تتحقق، أو التي لم يسع إلى تحقيقها لأسباب مختلفة· وطلب صاحب ''الخميائي'' من قرائه أن يشاركوه في إعداد قوائم خاصة بأمنياتهم العاصية أو العصيّة· والمفاجئ كان ذلك التشابه في نوعية الرغبات بين كاتب طبقت شهرته الآفاق واللغات، وبين قراء عاديين يتابعون كتاباته· ويبدو أن التشابه بين أمنيات القراء وكاتبهم المفضل، هو الآخر نوع من الأماني التي تتغلغل في وعي أو لاوعي قارئ حصيف يحلم بأن يصبح كاتباً مبدعاً ذات يوم· فلقد اعتدنا أن تكون أمنيات البشر العاديين عادية كحالهم، وهي غالبا لا تخرج عن إطار ''الشقة والعروسة والسيارة''، وما عدا ذلك فإنه يبقى من محفوظات الصدور، يعصمه من البوح اكتفاء أو يأس· باولو كويللو ليس من هذا الصنف، فهو يترجم أحلامه كلاما مكتوباً ومنشوراً على رؤوس الأشهاد· يقول الروائي إنه يتمنى أن يتعلم الرقص، لكن الخجل حال دونه وهذه الأمنية· ويقول إنه يحب أن يتعلم عزف الجيتار لكن لا طاقة لديه على المواظبة، وإنه يرغب في تمضية ثلاثة أشهر في دير، والقيام برحلة برية (سفاري) في إفريقيا ولكن ليس بداعي الصيد، وكذلك تناول العشاء منفردا مع نيلسون مانديلا، والقيام برحلة فضائية حول الكون لا يملك تكلفتها، والسفر على متن طائرة حربية لاختبار اختراق حاجز الصوت· أما أغرب أمنيات باولو كويللو فهي رغبته في أن يتبنى ماليا ملاكماً موهوباَ، لكن ما يحول دون تحقيق هذه الرغبة هي اشتراطات الاحتكار في عالم الرياضة· يختار كويللو أكثر رياضة تتعرض لإدانة أخلاقية (بعد مصارعة الثيران) لكي يعلن تفضيله لها، ويقدم تبريرا غير مقنع حول رغبته تلك· فالملاكمة، عنده هي نوع من حوار الأجساد على الرغم مما تختزنه من قسوة بين خصمين، لا مبرر لكي يتعاركا غير امتلاكهما القوة اللازمة لذلك بالإضافة إلى الرغبة في الفوز· وللقسوة وجوه كثيرة غير ''حوار الأبدان'' كما يصفه مؤلف رواية ''إحدى عشرة دقيقة'' حيث القسوة فيها أشد عمقا وهولا من لكمات يوجهها مصارع إلى خصمه فوق حلبة تستثير حماسة المشاهدين· ربما كانت هذه الأمنية هي الوحيدة التي تجمع بين باولو كويللو وقرائه· فأغلب البشر يتمنون أن يكون في داخلهم ملاكم أو مصارع· ولعلي بين كثيرين يحرصون على مشاهدة برامج الملاكمة والمصارعة المتلفزة· وكل من يشاهد تلك المعارك، وبينهم بالتأكيد الكاتب البرازيلي، يبادر على الفور إلى مناصرة الأضخم والأقوى والأكثر عنفا، يهتف له ويصفر ويحذره من غدر خصمه، ينبهه إلى ما ينبغي عليه أن يفعل، ويثور على الحكم حينما يخطئ معه، والأمر لا يحتاج إلى طبيب نفسي أو روائي مبدع، ففي داخل كل إنسان ملاكم كامن بكامل قوته وجبروته، نلجأ إليه بأمانينا عندما نعجز عن مواجهة صروف الحياة ومصاعب الدنيا· adelk85@hotmail.com