للمرة الثانية أكتب وأبحث عن السعادة التي قد تكون بين أيدينا وأمامنا ولا نكتشفها لأننا التهينا عنها بمشاغل وأهداف أخرى، فنعتقد بالمقابل أننا لا نملكها، وبالتالي نبحث عنها في مواقع واتجاهات أخرى، قد تكون صعبة وقد تكون غير حقيقية. ففي أحد الأيام أراد أحد التجار أن يعلم ابنه كيف يحصل على السعادة الحقيقية فأرسله لدى أكثر رجل في العالم‏ حكمة، وتوجه الفتى لتحقيق رغبة أبيه..‏ ومشى أربعين يوماً حتى وصل إلى قصر جميل على قمة جبل‏..‏ يسكن الحكيم فيه،‏ وعندما وصل وجد في قصر الحكيم جمعاً كبيراً من الناس‏..‏ انتظر الشاب ساعتين حين يحين دوره‏..‏ أنصت الحكيم بانتباه إلى الشاب، ثم قال له‏:‏ الوقت لا يتسع الآن. وطلب منه أن يقوم بجولة داخل القصر ويعود لمقابلته بعد ساعتين‏..‏ وأضاف الحكيم، وهو يقدم للفتى ملعقة صغيرة فيها نقطتان من الزيت‏:‏ أمسك بهذه الملعقة في يدك طوال جولتك، وحاذر أن ينسكب منها الزيت‏.‏ ?أخذ الفتى يصعد سلالم القصر ويهبط مثبتاً عينيه على الملعقة‏..‏ ثم رجع لمقابلة الحكيم الذي سأله‏:‏ هل رأيت السجاد الفارسي في غرفة الطعام؟‏..‏ الحديقة الجميلة؟‏ وهل استوقفتك المجلدات الجميلة في مكتبتي؟‏‏. ارتبك الفتى واعترف له بأنه لم ير شيئاً، فقد كان همه الأول ألا يسكب نقطتي الزيت من الملعقة‏..‏ فقال الحكيم‏:‏ ارجع وتعرف على معالم القصر‏..‏ فلا يمكنك أن تعتمد على شخص لا يعرف البيت الذي يسكن فيه‏..‏ عاد الفتى يتجول في القصر منتبها إلى الروائع الفنية المعلقة على الجدران‏..‏ شاهد الحديقة والزهور الجميلة‏..‏ وعندما رجع إلى الحكيم قص عليه بالتفصيل ما رأى‏..‏ فسأله الحكيم‏:‏ ولكن أين قطرتا الزيت اللتان عهدت بهما إليك؟‏..‏ نظر الفتى إلى الملعقة فلاحظ أنهما انسكبتا‏. والحكمة من القصة والنصيحة أن سر السعادة هو أن ترى روائع الدنيا وتستمتع بها، دون أن تسكب أبدا قطرتي الزيت‏.‏? فالسعادة هي حاصل ضرب التوازن بين الأشياء. كان يمكن للفتى أن يعيش عمره كله وهو يحرص على عدم سكب الزيت، لكنَّه حينها لن يكون بوسعه القول أنَّه عاش حقاً، وكم هي أوقات ثمينة تلك التي نهدرها من أعمارنا فيما نحن نداري قطرتي الزيت اللتين تتجليان لنا بأشكال وأنواع مختلفة. وقد ننجح غالباً في الاحتفاظ بتلك القطرتين في ملعقتنا الصغيرة، أمَّا السعادة المنشودة فهي أن نسكب زيت التجربة على دروب الحياة الشائكة بغير حساب. مريم الشميلي Maary191@hotmail.com