قضيت شهراً كاملاً خلال الصيف المنصرم هذا العام في أحضان الريف النمساوي حيث الجبال المغطاة بالأخضر البهي، وحيث البحيرات والأنهار والهدوء والجمال الذي بلا حدود، وحيث النظافة والصحة والأناقة والعراقة، فلا هم ولا قلق ولا أمراض ولا هُم يحزنون، وعندما أصبت بشيء من الحساسية بسبب البرودة الشديدة في أعالي جبال الألب وذهبت إلى مشفى المدينة التي كنت أقيم فيها وجدت قسم الحوادث خالياً إلا من صبي جرح يده في لهو طفولي مع أصحابه ، وسيدة ربما انزلقت في حمام المنزل أو وهي تنظف المطبخ، ومريض آخر لم أتبين حقيقة إصابته، ذلك كل شيء، لا أطفال يتصايحون على أكتاف أمهاتهم لشدة ما يعانون من الإسهال أو الانفلونزا ولا نساء مصابات بحالات ضغط مفاجئة، ولا إصابات فاجعة نتيجة حوادث السيارات التي لا تنتهي، ولا عمال آسيويين يملؤون الممرات ولا·· ولا··، أربعة أو خمسة مرضى يسمع صدى همسهم يتردد في ممرات المشفى الكبير والأنيق والخالي من المرضى!! بينما لو التقطت صورة سريعة لمشفى أو عيادة في أي قرية في الريف العربي لوجدنا المرضى يقفون طوابير خارج العيادة رجالا ونساء وأطفالاً!! ليس تهكماً على أوضاعنا، وليس جلداً للذات، إنما الملاحظة تستدعي المفارقات و المقارنات، ومن باب المقارنات، تلك الحكاية الطريفة التي نشرتها الصحف العربية عن تلك السيدة العربية التي أصرت على النزول من الطائرة وإلغاء سفرها بعد أن ربط المسافرون أحزمتهم استعداداً للسفر، ولقد اضطر الطيار إلى تأخير الرحلة 45 دقيقة لإنزالها، الطريف أن سبب كل ذلك الإرباك الذي سببته يعود إلى أنها أشعلت سيجارة وأخذت تدخن فما كان من أحد الركاب إلا أن نظر إليها داعياً عليها بالموت لأنها كانت تدخن في نهار رمضان· قد يكون هناك ألف عذر للسيدة لكن شيئاً من الاحترام للشهر الكريم ماكان سيضيرها بالتأكيد!! أما في جنوب لبنان فقد كانت السيدة البولندية المسيحية سيلفيا مونيكا تخلع القبعة الزرقاء التي تعتمرها بصفتها مجندة في قوات اليونيفيل الدولية التابعة للأمم المتحدة مرتدية الحجاب الأزرق احتراماً لمشاعر المسلمين الذين تتعامل معهم في قضاء مرجعيون، لم تسلم المرأة لكنها وجدت أن احترام مشاعر المحيط الذي تعمل فيه وتحديداً في شهر رمضان مهم جدا لتسهيل عملها واندماجها فيه· لا علاقة للدين في المقارنة ولا علاقة للجنسية، المسألة تعود لطبيعتنا كبشر، لتقديرنا الظروف والمحيط الذي نتحرك فيه وللحظة الزمنية التي نعيشها، فلا سيجارة علياء كانت مسألة حياة أو موت ولا حجاب سيلفي سيدخلها الجنة، لكننا نخطئ في حق أنفسنا والآخرين بتصرفات غاية في الغباء أحياناً لكنها تكلفنا وتكلف الآخرين الكثير وأحياناً تلصق كعار ملازم لشعب بأكمله، كثيرون ينقصهم الذكاء الفطري الذي يكسبون به الجولة الأخيرة حتى لو لم يكونوا في معركة بالمعنى المتعارف عليه ذلك أن الحياة في كل تفاصيلها معركة بشكل أو بآخر!! ayya-222@hotmail.com