في بدئه ماء رقرقا، وسمو نصوح يتلألأ وطن المدن نقيا منذ أن تقلد الحرية وبات بزمام أمره متوحدا يشق غشاء التربة بمحض إرادة، ينفي الشتات، يبدو كيانا رفيع الشأن يمتد أرضا للفخر أماط عنها لثام الدهر، مزق ما غلف البلد من جهل وفقر، أزال حدود الغوغاء وأنبت الزهر في الطرق، كأنها صافية من حجارة ومن أوتاد، وبدأت بلدا ذات صفات جميلة، وطبيعة للسحر وشرنقة بناء ينطلق نحو الفضاء! بدأت كتابا جميلا ونصا أدبيا في شموله صياغة المعرفة للحضارة والرؤى، ومنارة للفكر، وبدأت خيول الوعد، فرسان الرقي والتقدم تنطلق من حصون المجد، مدا لا يعرف الجذر وعزفا من الشموخ يدعو للسلام والحب. أبناء مزجوا ما بين الصحراء والبحر، لهم خيال سطر الدنيا، ولهم حياة بدلوا فيها مناهج الظلام، وأضفوا على الشتات بيوتا، ومدوا من الغياهب مسافات، ففر ما كان من التشرذم من عقبات، ولاذ من المحل مكانا ولم تعد جلدة الصحراء من قحط ولا من محق تلاشى الصمت، وانشغل الصوت بالغناء، والمكان بالزهو نشد الرواسي فتباهى البناء طولا وعرضا والى العنان! والحدائق الغناء تكسو الأرض وتبدو أجمل حلة من ذي قبل! فما بال الجهل هجر الورى، وفر الفقر كالأعداء، ما المجد إذا لم يأسر الوصف برحيق الصفاء لينثر الحب في النفوس ورضاء وطموح، مزجا خالصا من ضفاف عربية، ومن ذات غرست بالأرض قامة نسيجها من كيان، والمسامات أصلا وظلالا في ذي نخل مصيفا للنائيات، ربوع أرض تناثرت غبراء عبر إصرار نحو البقاء، رغم دسائس القربة وهيمنة الأعداء إلا أن ضوء بمثابة لمسة فضاء متجدد متناغم، متباعد بالوطن بالأمل، وبالتضحية الغراء، بالرفعة الأصيلة بالنحت بالعمق، فالأيادي التي تضمخت بالدماء دفاعا عن الصحراء غالبها البحث عن السكون مثلما كانت تفتش عن بئر للماء، تعلمت من مسار الرمل الجميل ما كتبته خطوط الأمل، تململت كثيرا من تبعات غياهب الشتات والقهر والعداء، تبرأت من هيمنة البؤس والشقاء، وحان الوقت، قالها رجل من النبلاء لنفر من العقلاء، قال: لندع الفرقة ونخطو نحو الوحدة الغراء! فحين تهيأت الصحراء للفكرة وتموجت زرقة البحر نحو إطلالة الصباح، ولبست حلة إشراقه وطن على ضفاف المجد تبوأ الأفق اسم الإمارات! تمكنت من رؤية الشموخ أن تصبو نحو حيز المدى، تشكلا له أريج مختلف فمن سمات الحب ألا تقطف وردة من حديقة مليئة بألوان الورود، بل أن تغرس بالأرض البكر ورودا مختلفة لتهدي من تحب. تفرد الوطن بالحب واكتمل العقد وبدأ على كل حلة يزهو وينير بضوئه الأرض كلما اشتد الظلام أو لامس أطراف الحياة، امتدت يد العون من إمارات المجد، وكلما طغى على الكون كارثة أو مسته طائلة تنكبت الإمارات مقدمة الركب تغيث البشرية من نبع الحب الذي يسكن القلب!