انعقد المؤتمر الدولي للقصة القصيرة العربية بالقاهرة، وكنت رئيس لجنة التحكيم التي تعطي جائزة المؤتمر إلى شخصية إبداعية عربية، عُرفت، أولا، بإنجازاتها المهمة في مجال القصة القصيرة، وأخلصت لهذا الفن، فلم تترك الكتابة فيه، بحيث يغلب عليه غيره من أنواع الأدب ثانيًا، ويتميز بالحرص على التجريب والمغامرة في الشكل ثالثًا، ويكون إبداعه متصلا متدفقا بالعطاء الذي لم يتوقف رابعًا، ويتميز بدرجة عالية من الجسارة في نقده مجتمعه العربي المحدود ومجتمعه العربي الأوسع خامسًا. ووجدنا هذه الصفات منطبقة على أسماء عديدة على امتداد العالم العربي، وكنا قد خصصنا لجنة فنية مصغرة، من شباب الباحثين المهتمين بهذا الموضوع المهم وتأملنا الأسماء التي ضمت أحمد بوزفور من المغرب الذي واصل إبداع القصة القصيرة وحمل الراية بعد وفاة محمد زفزاف، ومحمد خضير من العراق، وبهاء طاهر وسعيد الكفراوي ومحمد المخزنجي من مصر، وذلك جنبا إلى جنب أسماء عديدة أخرى من الجزائر وسوريا ولبنان والأردن، والخليج العربي. وقامت اللجنة الفنية المختصرة بإعداد قائمة قصيرة، مكونة من أكثر من عشرين اسما، بينها زكريا تامر الذي لم يكتب في حياته سوى القصة القصيرة، وبدأنا مرحلة الاختيار في لجنة التحكيم، وقمنا في المرات الأولى باستبعاد الأسماء التي لم تخلف تأثيرا حاسما في هذا الفن الجميل، وبقيت مجموعة قليلة من الأسماء تضم سعيد الكفراوي ومحمد المخزنجي ومحمد البساطي وبهاء طاهر من مصر وزكريا تامر من سوريا ومحمد خضير من العراق، وبعد خمس مرات من التصويت لم يبق سوى زكريا تامر وبهاء طاهر. وأخذت اللجنة وقتها في الموازنة بين الاثنين والكشف عن خصائص كليهما، وجاء التصويت الأخير بالنتيجة المتوقعة، فقد وافق أعضاء اللجنة (وعددهم أحد عشر مع الرئيس) على زكريا تامر بالإجماع. وكانت المبررات واضحة أن زكريا تامر أخلص لكتابة القصة إخلاصا كاملا، وأن إبداعه لا يزال متدفقا يفيض بالعطاء، وأن هذا الإبداع استثنائي في مجاله الذي لم ينقطع عنه صاحبه منذ أن أصدر مجموعته الأولى سنة 1960، وقررت لجنة التحكيم بالإجماع منح الجائزة إلى المبدع السوري زكريا تامر، وضجت القاعة بالتصفيق الذي كان علامة الموافقة والاستحسان، فزكريا تامر رغم أنه بدأ النشر بعد يوسف إدريس، ومجموعته الأولى صدرت سنة 1954 في العام نفسه الذي أصدر يوسف الشاروني مجموعته “العشاق الخمسة” في موازاة مجموعة يوسف إدريس “أرخص ليالي”، وقد صدرت المجموعة الأولى لزكريا تامر سنة 1960، لكن زكريا أخلص للقصة القصيرة التي تميز فيها يوسف إدريس تميزا مدهشا، وظل زكريا تامر يواصل الإبداع، خالقا صوته المتميز الماكر إلى اليوم دون أن يترك القصة القصيرة إلى غيرها من الفنون.