لقد أجمع أغلب المعلقين على وصف نتيجة الاستفتاء السويسري الأخير بمنع بناء المآذن بأنها “مفاجأة كبرى” ، فهل تسبب السويسريون بـ”مفاجأة كبرى” فعلا ؟ مفاجأة صدمت الفاتيكان والرئيس الفرنسي ساركوزي- المعروف بعدائه للأقليات في بلاده - والولايات المتحدة – التي خاضت حروباً بسبب الدين في الشرق الأوسط ، وكثير من دول العالم فماذا فعل السويسريون سوى ممارسة حقهم في بلادهم وعبر استفتاء شعبي حر وديمقراطي جداً ؟ لقد نجح اليمين الشعبي السويسري في إقناع السويسريين بأن المآذن كرمز ديني إسلامي تشكل “رمزا ظاهرا لمطالبة سياسية دينية بالسلطة تناقض الحقوق الأساسية للأقليات بحسب الدستور ما شكل إحساساً غريزياً بالخطر لدى الناس هناك في زمن بدأت فيه الشعوب تفقد سيطرتها على أبسط مقومات هويتها ووجودها لصالح مفاهيم الاندماج والانفتاح ومفاهيم العولمة والسوق الحر وحقوق الأقليات…. الخ . أحد المفكرين الإسلاميين وصف نتيجة الاستفتاء بأنها “كارثية”، ولأنه يعيش في جنيف ويدرس في جامعة أوكسفورد في بريطانيا فقد فسرها على أنها تعبر عن خوف حقيقي لدى الشعب السويسري كما تدلل على إشكالية عميقة حول الوجود الإسلامي هناك . في حين اعتبرته لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مقلقاً ! فماذا حدث ؟ لماذا صار الإسلام مرفوضاً لهذه الدرجة ولماذا أصبح المسلمون تحديداً بدينهم وسلوكياتهم وملابسهم ورموزهم وجوداً غير مرحب به في الغرب ؟ من المخطئ ومن المقصر ؟ لقد نظرت وزيرة الشرطة والعدل إلى الاستفتاء بشكل أقل حدة وانفعالا معتبرة أنه موجه فقط ضد بناء مآذن جديدة دون أن يعني أي شكل من أشكال الرفض للمجتمع المسلم أو الديانة أو الثقافة المسلمة ، فالحرية الدينية مكفولة بحكم الدستور والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، خاصة أن سويسرا بحسب الإحصاءات الحكومية الأخيرة تضم نحو أربعمئة ألف مسلم ، من أصل تعداد سكاني يبلغ 7,5 مليون نسمة، ما يجعل الإسلام الديانة الثانية بعد المسيحية في البلاد. إن النظر إلى موضوع الاستفتاء لا يجب أن يجعل البعض وخاصة من إخواننا العرب والمسلمين يكيل الشتائم وأقبح الصفات للسويسريين نتيجة هذا الاستفتاء ، فأولا سويسرا بلد ديمقراطي حر ، لم تقرر الحكومة فيه حظر المآذن من تلقاء نفسها بل تركت الأمر للناس وهكذا قرر الناس هناك وهي بلدهم وهم أحرار فيما يرونه صالحاً لهم ويوفر لهم الأمن والسلام ، والأهم يحفظ لمجتمعهم هويته المسيحية ، فلماذا نغضب إلى هذه الدرجة ؟ أما ثانياً فإن الذين غضبوا في عالمنا العربي والإسلامي تناسوا التضييق الذي يمارس على المسلمين وأصحاب التيارات الفكرية المختلفة ، فإذا كان لابد من الغضب فليغضبوا على أنظمتهم التي لا تعرف معنى الحرية الدينية وحرية المعتقد والرأي ، لا أن نذهب لنسب الأخرين في حق مارسوه في بلادهم . نحتاج لأن نتعاطى مع قضايانا بشكل أكثر واقعية ، وبشكل أكثر حيادية وبعمق وجدية أكثر من هذه الغوغائية التي يزكيها الإعلام ويجعل منها محرقة يزج البسطاء فيها مستغلا انفعالاتهم العاطفية وحماستهم الدينية ، نحتاج لعقلاء يتحدثون في وقت الأزمات ، لأن ترك الإعلام الغوغائي يقود الرأي العام بهذه الطريقة كارثة تتفاقم في عالمنا يوماً بعد آخر ، ما يجعل العقلاء يختفون وينأون بأنفسهم عن ساحة المعركة ، تماما كما حدث في فتنة مصر الجزائر الأخيرة وفي التهويل الإعلامي العالمي ضد دبي في أزمتها الأخيرة ، وفي مناسبات كثيرة آتية تحتاج لخطط إدارة إعلامية أكثر حزماً مما نحن عليه الآن