احفظوا هذا الاسم جيدا: وجيه عزيز· وهذه النصيحة ضرورية، لكي يعلق الاسم وصاحبه في الذاكرة، فلن تلتقوا به في أي حفل ''رسمي''، ولن تشاهدوا صورته على أي من الشاشات الفضائية المعنية، مثل ''روتانا'' و''ميلودي''، ولن تسمعوا صوته في أي من الإذاعات الطافحة بأصوات تستفز الأعصاب والغرائز· وجيه عزيز ملحن ومطرب مصري، سمعته وهو يغني ''زعلان شوية'' - من ألبومه الثاني وهو بالعنوان نفسه - فسألت من معي: أهذه من أغنيات سيد درويش؟ ولم يكن سؤالا غريبا، لأننا منذ زمن بعيد جدا لم نسمع أغنية للمهمومين بلغة همومهم، وللحزانى بأشجان لوعتهم· ولمن يتذكر، فقد بنى سيّد درويش مجده الباقي عندما غنى لفئات الكادحين و''الشقيانين''· ومثله فعل عمنا بيرم التونسي، شاعر الغلابة والمعذبين والمهمشين والعاشقين والوطنيين، وهو أول وآخر من استطاع أن يدخل الفجل -نعم الفجل- في بيت شعر عالي الحساسية والإحساس بوجع الفقراء: يا بائع الفجل بالمليم واحدة/ كم للعيال وكم للمجلس البلدي؟ هكذا يفعل وجيه عزيز، عندما يغني للناس ''الزعلانين'' الذين يجدون أنفسهم في ''حارة سد''، أو عندما تأكلهم الحيرة في مواجهة الحياة وصروفها: ''الشعر عيرة/ والكحل عيرة/ والورد فوق الخد ولحد الضفيرة عيرة· الصبر عيرة/ والضحكة عيرة/ والفرح والأحزان كلام وحاجات كتيرة· حتى الحنان جوه البيوت/ حتى الكلام حتى السكوت/ حتى الهتاف جوه المسيرة/ برده عيرة· حيرني حيرة/ (···) مابقتش أفرّق: دا أزرق ولا أحمر ولا رمادي/ دي كارثة ولا دا وضع عادي''· بكل هذه البساطة ''الدرويشية'' يغني وجيه عزيز· لا يفتعل لحنا، ولا ينحت كلمة· يتدفق غناؤه بكل الواقعية الضرورية التي تكفل له التصادم مع الرقابة، وأجهزتها الإعلامية، ما يجعل أغنياته أغزر تداولا عن طريق الوسائط السمعية ومواقع الإنترنت· ومع ذلك، فإنه من الخطأ إطلاق التصنيفات القديمة على هذا المطرب الملحن· فهو ليس فنانا ملتزما بالمعنى الكلاسيكي، وليس مطربا أيديولوجيا، وليس ملحنا حزبيا·· إنه ببساطة، الفنان الذي يسمع الناس همومهم وأحزانهم مقطّرة·· ويدلهم على العيب الحقيقي في حياتهم: ''وإن سألوك الناس·· عن ضيّ جوا عيونك ما بيلمعشي/ ما تخبيش/ قول العيب مش فيهم·· دا العيب في الضيّ''· هذا ما يقوله وجيه عزيز، أو سيّد درويش العصر الحديث، في ألبومه الأخير الذي يحمل عنوان ''ناقص حتة''، وهي ''حتة'' تنقصنا جميعا، ونصرف أعمارنا في البحث عنها دون أن نعرف ما هي بالضبط· adelk58@hotmail.com