تأخرت العديد من المراجع الدينية في عالمنا الإسلامي عن التعليق على ما ذهب اليه الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية الشقيقة، بجواز قتل أصحاب الفضائيات التي اعتبرها ''مفسدة'' قضاء، ولم يتراجع الشيخ اللحيدان عن فتواه كما حاولت أن تقنعنا بعض الدوائر وإنما أكدها بأنه كان يقصد قتل هولاء'' المفسدين'' بعد إحالتهم للقضاء· أقول تأخرت هذه المراجع لأن الرد على رجل في موقع ومكانة اللحيدان يتطلب ردود علماء راسخين في العلم· وإذا كنا نعيب على بعض أنصاف العلماء استغلالهم لفوضى الإفتاء في الفضاء المفتوح، فإن هذه الفتوى الغارقة في الغلو جاءت من رئيس أعلى سلطة قضائية في المملكة· وقد ذهب عدد من علماء في آراء فردية من هنا وهناك الى أن ما قال اللحيدان يندرج ضمن الفتاوى المسيئة للإسلام، هذا الدين العظيم الذي جاء رحمة للعالمين على يد محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين الرحمة المهداة عليه أفضل الصلاة والتسليم· وقد أثارت فتوى اللحيدان الجدل والانقسام حتى بين علماء المملكة· وفي تصريحات للدكتور أحمد الحداد كبير المفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف أعلن رفضه فتوى اللحيدان وأوضح أن القتل أحد حدود الشرع، أوجبه الإسلام للحرابة أو القصاص اذا لم يعف ولي الدم عنه، ولا يكون في غير ذلك إلا ما يراه بعضهم تعزيزا وعقابا في بعض القضايا الفكرية أو الأمنية كبعض الحنابلة وبعض المالكية، خلافا لهم · وقال ''فتوى قتل التعزيز والعقاب مقيدة بنظر ولي الأمر اذا رأى المصلحة العليا في ذلك، وأنها لا تتحقق إلا به، إما لدرء مفاسد خطرة على الأمة في أمنها ودينها، لكنها تحتاج الى حيثيات كبرى''· عندما سمعت بفتوى اللحيدان لم أصدق؛ حتى سمعت الفتوى مسجلة، ولم أصدق ما اسمع من تبسيط لقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق في معرض إجابة سؤال على الهواء مباشرة· تبسيط يقود الى تنصيب غوغاء ودهماء أنفسهم قضاة بعيدا عن القضاء الرسمي الذين يعتبرونه قضاء تابعا لولي الأمر، وسيأخدون بفتاوى الغلو هذه لسفك دماء أبرياء· ولعل الأشقاء في المملكة كانوا أكثر الناس معاناة من اعمال الإرهاب والقتل والتفجير باسم الدين· أصداء هذه الفتوى المغالية لا تزال تتوالى، وقد جاءت في وقت يبذل فيه المسلمون حكومات وأفرادا جهودا كبيرة لتصحيح وتنقيـــة ما لحق بـدينهــم السـمح الحنيف مـــن تشويــــه بسـبـب فعلـــــة فئـــة محسوبة عليهم، سفكت دمـــاء آلاف البشر في هجمات 11 سبتمبر، وفي هجمات لندن ومدريد والخبر والرياض والدار البيضاء والجزائر· إن تأخر المراجع وعلماء الدين على الرد على مثل هذه الفتاوى غير مبرر، وعدم الرد عليها بالعلم والحجة من شأنه ان يجعل أصوات الغلو والتشدد تسيطر وترتفع، في وقت نحن في مسيس الحاجة الى إبراز وسطية الدين القيم، ونشر ثقافة التسامح والاعتدال التي يحض عليها ديننا الحنيف، وأكد عليه نبي الأمة ورسول المحبة الذي بعث للناس كافة بشيرا قبل أن يكون نذيرا· ويا علماء الإسلام اتقوا الله فيما تدعون اليه، وكفانا مصائب ترتكب باسم الإسلام، ولم تجلب لهذه الأمة التي قال عنها الخالق إنها خير أمة أخرجت للناس سوى المصائب والخراب·