بين اليسار واليمين أميال طويلة تفصلهما -غالباً- محيطات وقارات، وفي علم السياسة كما في الحياة، لا يكون من التزم خطاً مهماً، سواء كان يمينياً أو يسارياً، ''متطرفاً''، إلا إذا رفض جملة وتفصيلاً الآخرين الذين يتواجدون على الطرف الآخر النقيض له، وهو في تطرفه هذا يمارس سلوكاً يتعدى الاختلاف الفكري، ليأخذ شكلاً سلوكياً ''متطرفاً''؛ فبجانب تجاهله لوجود الآخر، وحرمانه حقوقه الأساسية، لا يمانع المتطرف من الدخول في حرب ضد المختلفين معه، مستخدماً كل الوسائل التي يراها مبررة للانتصار له ''شخصياً''، بقدر أكبر من الانتصار لفكره؛ وهنا يتحول اختلاف الفكر إلى حروب شخصية، تأخذ مداها الدموي أحياناً في وقت توفر وسائل القوة والتمكين بكل أنواعه من الإنساني والسياسي على وجه الخصوص· حسناً·· هذا الطرح ينسحب على كل أشكال الاختلاف، ابتداء من طريقة صنع ''طبخة طعام'' وليس انتهاء بطريقة ''إدارة دولة''؛ فالاعتدال والوسطية بين طرفيْ النقيض لا يعنيان أن يتنازل أي من المختلفين عن قناعاته، بل يعنيان احترام هذا الاختلاف وعدم محاربة المختلف بالاستهزاء به وتهميشه؛ بل وأخذ ما قد يروق من فكره، والمضي في العمل لإنجاح الفكرة وإثبات ذلك أمام المختلف، لعله يقنع يوماً بفكرتك؛ وهو ما يستدعي الأخذ بكل أسباب النجاح، وعدم التمادي في العناد عند ثبات الفشل، وترك الآخر ليأخذ دوره في التجربة؛ قد يبدو الأمر صعباً، وقد يكون مستحيلاً لدى البعض؛ ولكن تبقى لمحاولة الوصول لهذه القيمة العالية في الحياة نتائج ليس أقلها نشر السلام والأمن بين صنوف البشر· لا يمكن مهما تنافرت حاجاتنا، ألاَّ نسعد بيوم تغرقنا الشمس بخيوطها المضيئة، ونسمر بقمر يرسل هالاته الزرقاء علينا؛ أمانينا المختلفة هي أجنحة ترفع من شأننا الإنساني إلى حدود الكون، فيما تلتقي اختلافاتنا في نقاط ضوء تفوق بروعتها خيوط الشمس وهالات القمر· *** قررنا سوياً أن نحلق عالياً، وأن نلمس ألوان قوس قزح، كان رهاني أن لكل لون ملمسَه، بينما أكد ''هو'' أن لألوانه روائح مختلفة؛ وعندما عدنا أخبرته أن للون الأحمر ملمسَ الحرير، بينما الأخضر له ملمس المخمل، وللأزرق ملمس القطن، وللبرتقالي دفء الصوف، وللبنفسجي ملمس الكتان؛ وعندما سألته عن روائح قوس قزح وألوانه، أكد أنه لم يميز هناك سوى عطري· Als.almenhaly@admedia.ae