لا أحسد الشاعرة اللبنانية جومانة حداد على الموقف الذي وضعت نفسها فيه· فصاحبة الرأس الجميل قررت بعقلها الواعي أن تصدر مجلة ورقية تحمل عنوان ''جسد''، وهي استعدت للأمر بما يحتاجه الجندي في ساحة القتال، من خوذة واقية وسترة مدرعة و''مانيفستو'' يحدد له خطوط القتال· تقول جومانة إن مجلتها ''ستحمل إلى لغة الضّاد ما لا تتوقّعه ربّما، أو لنقل ما لم تعد تألفه في أزمنة الانحطاط والتزمّت والتشنّج والمحافظة''· والمجلة ستكون متخصصة في آداب الجسد وفنونه، وهو باب ليس بجديد على مبدعي ''العربية'' منذ أبو نواس، ومن سبقه ومن لحقه· وغالباً ما كان الشاعر العربي، يلج إلى الجسد (آدابه وفنونه) من مداخل حيية· فمرة عن طريق العيون اللواحظ، وأخرى من خلال الفم المتبسم· مرة مع تموجات الشعر الحرير، وأخرى مع امتداد الجيد البض· وعندما أراد الشاعر العربي أن يوغل أكثر في الجسد، فإنه حصّن نفسه بسلسلة من المفردات، التي تصف من بعيد دون أن تقترب من التفاصيل· فالمرأة عنده هي: عبهرة، وبهكنة، وممكورة، وخمصانة، وعبقرة، ورداح، وخدلّجة، وخُرعوبة· ولا أظن أن مجلة جومانة حداد سوف تسلك إلى الجسد تلك المداخل، أو أنها سوف تتوسل تلك الصفات· وهي بالتأكيد لن تقدم نظريات نقدية في مستحضرات ''إيستيه لودر'' أو ''لوريال'' أو ''كالفن كلاين''·· إذن يبقى أمامها ذلك الفضاء المفتوح على المباهج، والأسرار، والكنوز المسكوت عنها· ومع إن صاحبة المجلة ومؤسستها ورئيسة تحريرها تسارع إلى التوضيح بأن مشروعها الصحافي لن يدخل إلى منطقة ''البورنو''، لكنه لن يجافيها، فإن موضوعات الجسد، مثلها مثل قضايا الحياة الإنسانية، تنطوي بذاتها على تمييز عنصري يحتاج إلى خبرة واسعة ودقيقة لعدم الوقوع في حبائله البغيضة· فأي جسد سوف يكون معياراً للمجلة العتيدة؟ هل سيقتصر الأمر على هيفاء وزميلاتها؟ أم أنه سوف يكون هناك متسع لعنايات وجاراتها؟ ثم هل الجسد الإنساني، هو جسد المرأة فحسب، أم أنه يعني أيضاً جسد الرجل؟ وهل ستعتمد مقاييس باراك أوباما أم جون ماكين؟ لم نقرأ في ''مانيفيستو'' جومانة حداد إجابات واضحة عن مثل هذه الأسئلة، باعتبار أنها الأهم في مشروع ثقافي صحافي يعنى بمسائل الجسد، خصوصاً أن كل المقاربات الأخرى التي تضمنها ''المانيفيستو'' تقترب من سابقاتها، تداخلاً وتشابهاً· وبهذا المعنى ننتظر من مجلة ''جسد'' - التي نتمنى لها التوفيق والنجاح - أن تجيب عن سؤال تاريخي يقول: كيف تأتّى لنزار قباني أن يشيّد أهراماً من مادة معمارية لم يسبقه إليها حسن فتحي مهندس قرى الفقراء في مصر ولا جان نوفيل مصمم لوفر أبوظبي؟ adelk85@hotmail.com