لم أحرص على متابعة أي مسلسل من مسلسلات رمضان، سوى “المصراوية” الذي كتبه أسامة أنور عكاشة وأخرجه إسماعيل عبد الحافظ، وهاأنذا أرى في الجزء الثاني من المسلسل تطور أحداث الجزء الأول، وأستمتع بتعاون المؤلف والمخرج اللذين كانا وراء نجاح “الشهد والدموع” و”ليالي الحلمية” و”زيزينيا” وغيرها، ويواصلان النجاح والتألق ذاته في “المصراوية” وأجمل ما في إسماعيل عبد الحافظ أنه يفهم طبيعة إبداع أسامة أنور عكاشة، وخلطه بين المرحلة التاريخية والمواقف السياسية المتصارعة ولذلك ينتبه إلى التفاصيل الدقيقة التي تؤكد في وعي المشاهد أفق وتفاصيل الحياة اليومية الصغيرة، سواء على مستوى أزياء الشخصيات، أو لهجاتهم، أو الأحداث التي يشاركون فيها أو يسمعون عنها أو يتأثرون بها، ولذلك تنجو مسلسلات عبد الحافظ من أخطاء التفاصيل التي يقع فيها المخرجون الآخرون، حين لا يدققون في تفاصيل اللوازم التاريخية. ولذلك لا يملك المتفرج إلا احترام عمل إسماعيل عبد الحافظ. والحق إني لا أعرف من ينافس إسماعيل عبد الحافظ في الدقة سوى إنعام محمد علي التي أظهرت قدراتها في مسلسل “أم كلثوم” ثم “قاسم أمين”. أما أسامة أنور عكاشة فالحديث عنه يطول، فهو نظير نجيب محفوظ وتلميذه النجيب على السواء. نظير محفوظ من حيث إنه انتقل بالتمثيلية التلفزيونية إلى آفاق باهرة، ولا أبالغ لو قلت إن هذه التمثيليات يمكن أن تعرف طريقها بسهولة إلى العالمية لو أحسنّا ترجمتها أو دبلجتها وتوزيعها عالميا. وكما فعل محفوظ بالرواية المكتوبة، من حيث النضج والتأثير، فعل أسامة الذي كان أول من لفت أنظار المتفرجين العرب إلى أهمية المسلسل أو التمثيلية التلفزيونية التي غدت بفضله، وعون إسماعيل عبد الحافظ، عملا إبداعيا حقيقيا، يجذب الجمهور، ويفرض على النقاد والمثقفين ضرورة الاهتمام والتعليق. ولا أظن أن أحدا من الكتاب، قبل أسامة، أجبر المشاهدين على الجلوس في المنزل لمشاهدة مسلسلاته التي أصبحت حديث الجميع، وكنت واحدا من هؤلاء ابتداء من حلقات “الشهد والدموع” التي وضعت أسامة على قمة كتّاب الدراما التلفزيونية. ومن المؤكد أن ما حققه من نجاح هو ما دفع غيره من الكتاب إلى السير في طريقه ونجاحه. أما عن كونه تلميذ نجيب محفوظ النجيب فالأمر واضح في حرصه على تجزيء العمل، فلا يكتفي ببنية الثلاثية، بل يصل إلى الخماسية وأهم من ذلك الحرص على وضع أحداث كل تمثيلية على خلفية من الأحداث التاريخية المهمة والتحولات الاجتماعية المؤثرة، وهو أمر يجعل من مسلسلاته مرايا لتحول الحياة المصرية، عبر مراحلها السياسية الحاسمة والدالة. يضاف إلى ذلك شجاعة الفكر القومي الذي يذيب رسائله الإيديولوجية في مسارب العمل على نحو يجعل منها عناصر عفوية في الحوار فتبدو طبيعية تماما في مواضعها، ومنطقية، فنيا، في سياقاتها.