نحن نخطئ كثيراً، حين نخلط بين الثقافة والتثقيف. الثقافة هي أشكال الوعي الموجودة في المجتمع والتي تصوغ أدوات وأجهزة لا يمكن اختزال حضورها في مدى أو إمكانات أي وزارة للثقافة أو الإعلام. وعمليات التثقيف هي العمليات التي تقوم بها الدولة أو المؤسسات العامة أو الخاصة بهدف رفع الوعي الثقافي لأبناء الأمة، وتوسيع آفاقهم بما يتيح لهم أن يعيشوا آفاق العصر الذي يعيشونه ويشاهدون تقدم أممه، ويسهم في النهوض بوطنهم إلى ما يرتقي به لكي يلحق بركب التقدم العالمي، وذلك على نحو لا يوقع التناقض بين الخاص والعام، المحلي أو القومي أو الإنساني، وأن يجعل المواطن مؤمناً بخصوصية ثقافته، وارتباطها وتفاعلها مع كل ثقافات العالم المتقدم. وعمليات التثقيف لا تقوم بها، ولا يمكن أن تقوم بها، وزارة الثقافة الموجودة في بعض الأقطار العربية، أو وزارة الإعلام التي تجمع إلى اختصاصها العمل الثقافي في بعض الأقطار الأخرى، وبعيداً عن هذا الاختلاف الكمي، فالأهم كيفياً هو إدراك أن عملية التثقيف التي تقوم بها أكثر من وزارة، تتوزع بينها أدوات التثقيف ووسائله. هناك، أولاً، وزارة التربية والتعليم المسؤولة عن تعليم المواطن منذ الحضانة، ولا يهم انقسامها إلى وزارة التعليم العالي وما قبل العالي، أو تعليم ديني أو مدني، فالمهم أن أي عملية تعليمية لا تخلو من عمليات تثقيف وأين يتعلم المرء مبادئ التفكير العقلاني، وضرورة إعمال العقل في كل شيء إلا في التعليم، خصوصاً منذ البداية التي تزرع بذور التفكير النقدي في الطلاب منذ الصغر. وهناك، ثانياً، وزارة الإعلام التي تبث برامجها وأدواتها المقروءة والمسموعة والمشاهدة قيم التقدم أو التخلف، على نحو آني، وذلك على نحو يجعل تأثيرها بالغ الخطورة. وهناك، ثالثاً، وزارة الثقافة التي تمارس عمليات التثقيف المختلفة من خلال قصور ثقافاتها ومسرحياتها وكتبها المؤلفة والمترجمة وأفلامها، فضلاً عن مؤتمراتها ومهرجاناتها إلخ.. وهناك، رابعاً، وزارة الأوقاف التي تشرف، أو ينبغي أن تشرف، على وعاظ المساجد والقائمين بالوعظ الديني في الزوايا والنوادي والتجمعات، وأهم مهامها ملاحظة المضامين الدينية التي يبثها الوعاظ، تأويلاً أو تفسيراً، كي يملأوا عقول الناس بفكر ديني متخلف يؤدي إلى إفشال كل محاولة للتقدم، أو بفكر ديني يتوازن فيه العقل والنقل، ويليق بالإنسان الذي كرمه الله على بقية مخلوقاته ويدفع به إلى الإسهام الفاعل في تقدمه. وأخيرا، هناك وزارة العمل التي ترعى شؤون العمال المادية، وتهتم بالارتفاع بمستويات وعيهم من زاوية مختلفة، وذلك من خلال مراكز التدريب أو التثقيف، حيث يمكن إتاحة أفكار جديدة وثقافة مفيدة للعامل. وأي استراتيجية ثقافية دون تفاعل هذه الوزارات وتعاونها لن تكون مثمرة، ولن يحدث ذلك إلا بقرار سياسي سيادي يدفع الجميع إلى التعاون والتآزر لتحقيق أهداف الأمة وأحلامها.