أنا في أعالي الستين. في هذا اليوم، قررت أن أتفرّغ للحب وحده دون سواه. * من ستين عاماً، وأنا أنام في الغرفة على جنبي الأيمن. أمامي رجل ينام في المرآة. أنظر إليه فينظر إليّ. أرفع يدي فيرفع يده. أتكلّم فيتكلّم. أسكت فيسكت. أضحك فيضحك. أبكي فيبكي. وإذا صرخت في وجهه صرخ في وجهي. وإذا ابتسمت ابتسم. من ستين عاماً، ثمة رجل في المرآة، لا يتركني لحظة واحدة لحريتي. وفكرّت بالخلاص: إمّا أن أكسر المرآة أو أقتل الرجل الآخر. * في المدرسة، كان الصبي يردّد الجملة التي يقولها الأستاذ أمامه، مع تعديل طفيف. الأستاذ يقول: “انتشرت الفراشات الملوّنة في الحقول”. والصبي يردّد: “انتشرت الفراشات الملوّنة في الحقول”. ورأيت أنّ جملة الصبي أجمل، فنصحت الأستاذ بغضّ الطرف عن الخطأ الجميل. “حامد” ليس فقيراً إلى الحدّ الذي يجعله يتدلّى في صندوق للقمامة إلى جانب الرصيف: نصفه الأسفل من الخصر إلى القدمين يتدلّى إلى الخارج، ونصفه الأعلى من الخصر إلى الرأس يتدلّى إلى الداخل. وقفت أراقبه، وسألت نفسي: ـ ماذا يفعل؟ هل يبحث عن خاتم وقع من إصبعه في الصندوق؟ حين أطلع رأسه، كان يحمل بيده بقايا فاكهة. كان جدي الشيخ يقول له وهو يدّس في جيبه ماتيَّسرَ من مال الحَسَنة: ـ اسمع يا “حامد” قد تكون ورثت الفقر عن أبيك. ولكنْ قل لي: هل ورثت عنه أيضاً عَمَش العينين، ووسخ اليدين؟ قم واغسل وجهك ويديك. * خمس قطط تتقافز حول بعضها، في الشارع، بمرحٍ غامر، وتموء معاً في ضوء القمر. خمس قطط في شهر تموز تلعب في ضوء القمر. أشعلت سيجارة، وقعدت أنظر إليها، وأسبّح صنع الخالق.