مع بدء العام الدراسي الذي لم يتبق أمامه إلا أيام أغسطس الحار جداً، وأولياء الأمور وأغلبهم من الأخوة المقيمين، ومعظمهم من ذوي الدخول المحدودة والرواتب المكدودة، هؤلاء المساكين يضعون أيديهم على قلوبهم، ويقولون يارب أستر هذه السنة من الرسوم المدرسية، ومن توابع الزلزال الاقتصادي الذي رفع درجة الحرارة في الأسعار حتى صارت كالسعار· من حق هؤلاء أن يقلقوا وأن يضطربوا وأن يتوتروا وأن يصابوا بفوبيا الأسعار لأنها أصبحت هاجساً يؤرق القلوب ويرهب الجيوب ويستعصي على الحل، حتى لو تدخلت منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن معاً، فلن يستطيعا ردع التجار من مواصلة غيهم وطمعهم وجشعهم· من حق أولياء الأمور أن يفكروا ويسهروا الليالي الطويلة تمحيصاً وتفحيصاً بما ستؤول إليه الأحوال في المدارس الخاصة·· صحيح أنه لا علاقة للديزل وارتفاعاته الجنونية بشيء اسمه مدارس خاصة، ولكن هذا هو الحال، فالكل يلقي اللوم على الكل، وكل جهة تريد أن ترفع وتفرد الأجنحة، لابد وأن تتطلع الى الرياح المحيطة بها حتى وإن كانت هذه الرياح تهب في أقصى شرق الصين·· فالأعذار جاهزة، والنوايا معدة مسبقاً، والأرقام تسير باتجاه الأفق البعيد، والذي لا يعجبه الحال فليضرب رأسه في أقرب جدار حوله، أو يشرب من ماء الخليج العربي· لهذا فإذا لم يحدث تدخل سريع وجريء وحاسم فإن المتوقع سيصبح واقعاً، وما على أولياء الأمور إلا التفكير في حلول موازية لتذليل العقبات، والانتصار على النكبات·· ما على هؤلاء سوى التوجه الى البنوك ومراكمة الديون لتحقيق الهدف الأسمى، وهو تعليم الأبناء، ولا يقول هؤلاء سوى حسبنا الله ونعم الوكيل لأن بعض المدارس الخاصة تتعامل مع التعليم كما تتعامل البقالات مع السلع الغذائية، وتتعامل مع طالب التعليم كما تتعامل ''كراجات'' تصليح السيارات مع الزبون، لا حرج ولا إحراج، لأن المسألة أصبحت تجارة حرة متحررة من الهم الإنساني والاجتماعي، متخلصة من دين البلد التي قدمت وذللت وأسخت في العطاء من أجل أن ينهض كل صاحب عمل في عمله، ومن أجل أن يسير الجميع باتجاه رقي الوطن وسعادة الإنسان ، كل شيء أصبح تجارة وشطارة، والفطن من يستطيع أن يفلت من القوانين والنظم والقيم ليحقق أرباح سنة، ما لا يستطيع تحقيقه في غضون عقدين من الزمان· الجميع يركض ويلهث ويعبث بمقدرات وطن ومستقبل شعب، والمصلحة الخاصة فوق الجميع· نقول للوطن علينا حق، ولهذه الأرض الطيبة المعطاء واجب لابد أن يعيه الجميع، وأن يكون شعار الجميع قبل كل اعتبار، وقبل رفع الأسعار، وقبل المصالح الذاتية·