من الواضح أن جورج بهجوري، رسام الكاريكاتير المصري الأول والأشهر، اتخذ قراره بزيارة إسرائيل في وقت أسرع مما يحتاجه إنجاز أي لوحة كاريكاتورية يعمل عليها· بدليل أنه لم يعرف للبهجوري، الذي يقيم في باريس منذ مدة طويلة، أية ميول تطبيعية، ولم تسجل عليه أية سابقة في إطلاق مواقف أو الدخول في سجالات غير محسوبة· ولهذا فإن الفنان المبدع في مجاله، يستغرق وقته بعد إتمام الزيارة في نفي أو توضيح أو تفسير ما أقدم عليه، ما يجعل من زيارته وكأنها كاريكاتير غير ساخر يومئ إلى عبث ما يقدم عليه، أو يقدمه التطبيعيون العرب، قبل أن يضع قضية التطبيع نفسها فوق المحك· قبل بهجوري بعقود فعلها علي سالم، الذي زار إسرائيل مزودا بشهرة اكتسبها من مسرحياته الكوميدية، فبدا وكأنه بتلك الزيارة يكتب فصلا إضافيا لمسرحية ''مدرسة المشاغبين''، يتولى فيه على طريقة الزعيم الأباصيري ترغيب العرب بالسلام والوئام مع العقل الصهيوني المثقف والحضاري والمناصر للمجتمع المدني ومؤسساته· لقد نشرت طوال العقود التي ظهرت فيها الدعوات المتفرقة للتطبيع مع إسرائيل، أي منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، عشرات الدراسات والكتب التي تناقش قضية التطبيع ثقافيا واقتصاديا وسياسيا وقانونيا· وتأكد خلال تلك العقود، أن قضية التطبيع ليست قضية شعبية في العالم العربي، وربما ليست هي كذلك بين الإسرائيليين أيضا، لكن وسط هذا الرفض (المتبادل) لم تبد على التطبيعيين أية علامات يأس أو تعب أو تهاون فيما يدعون إليه· ربما يظهر التطبيعيون أنفسهم شجعانا في حمل لواء قضية سرعان ما يوصم المنضوي تحته بتهم العمالة والخيانة· لكن قبل الشجاعة يظهر التطبيعيون وكأنهم مقتنعون بدور تاريخي قيض لهم وحدهم القيام به وتحمل تبعاته· فحجج هؤلاء حول الزيارات التي يقومون بها إلى إسرائيل، تدور دائما حول محاورة العقل بالعقل، وتقديم الحجج على حق العرب والفلسطينيين في أرضهم، وإقناع ''العدو'' بخطأ سياساته العدوانية واجراءاته التدميرية، والبحث عن أسس مشتركة للتعايش والتعاون·· يقتنع التطبيعيون العرب بأنهم قادرون على القيام بأعباء هذه المهمة، وعلى تحقيقها، وأن المشكلة التي يواجهونها ليست في ما يبديه الطرف الآخر من تعنت ولكن فيما يتسببه العرب من عراقيل· مع هؤلاء تتصاغر قضية الصراع العربي ـ الصهيوني إلى الحدود الشخصية، ما يوهمهم بأنهم قادرون على حلها بجهودهم الشخصية، التي باتوا يوظفونها في غير مكانها، بحيث فقد المواطن العربي فرصة الحصول على عمل مسرحي كوميدي جديد يضاهي ''مدرسة المشاغبين''·· كما أن محبي الكاريكاتور العرب مهددون بافتقاد مبدع مهم في هذا الفن الأصيل· adelk58@hotmail.com