أصابع العبث تلعب دائماً في المياه العكرة، ووصول العبث إلى رئة التنفس وعنق الزجاجة ينذر بخوف ورعب من المجهول القادم، اليوم وبعد أن رفعت شركات توزيع البنزين أسعارها ما عدا أدنوك تسيبت الأمور وتخيبت الآمال وطالت سلسلة الطوابير والصفوف المتراصة من السيارات الصغيرة والشاحنات التي أصبحت كالأسود المفترسة تعترض الطريق وترهب الناس بأشكالها وأحجامها الجهنمية·· وصال اللصوص وجال المرتزقة الذين يبيعون البنزين في السوق السوداء، مستغلين حاجة الناس، ومنتهزين عوز الذين لم يجدوا وسيلة غير اللجوء إلى هذه النفوس المريضة التي لا تتورع عن بيع أي شيء أو تساوم على أي شيء، ولا همّ لها غير الربح على حساب المكظوظين والمحسورين والذين داهمتهم أسعار البنزين كما يداهم السيل ساكناً مطمئناً· نقول إن البنزين سلعة استراتيجية وهي عصب الحياة، ولا يجوز أبداً تركها في أيد عابثة وأنانية لا تفكر بغير الربح السريع· البنزين كالماء والهواء، وهو أهم من الأرز البسمتي في ضرورته والحاجة في تسيير حياة الناس وتدبير حركة التطور في البلاد، والإمارات من الدول المتقدمة في مجال النهوض والرقي، ولا يعقل أن يصبح بعض تجار السوق السوداء عقبة كأداء في طريق نهضتنا، ولا يعقل أبداً أن يصبح المجتمع أسير هذه العصابات التي صارت تسرق قوت الناس وتبيعه بأثمان تتجاوز حد المنطق· فهناك الآن شاحنات وناقلات متخصصة في شحن البنزين من محطات أدنوك لبيعه في الإمارات الشمالية التي وقع سكانها تحت سطوة بعض شركات توزيع البنزين، فيجب أن يتحرك المسؤولون وبقوة وتصميم باتجاه منع هذا التهور وقطع دابر الذين يعبثون بخيرات بلادنا وخاصة الأيدي الوافدة التي لا تدع سانحة ولا مانحة إلا وتنقض عليها كأسراب الجراد لتفتك بالزرع والضرع وتحيل البلاد إلى غابة ينهض فيها المحتال على أكتاف الناس الطيبين· الأمر بحاجة إلى تدخل سريع وفوري لمنع هذا التلاعب وبتر الأيدي المشاغبة حتى لا نبكي غداً على اللبن المسكوب ونقول يا ليتنا فعلنا كذا وكذا، فالأفواه الفاغرة مفتوحة على آخرها وتنتظر الفرصة في أي مكان وتتحين الظروف لتقتنص من أرزاق الناس لقماً سائغة، لذلك ترك الأمور على عواهنها سوف يضع حركة المجتمع أمام مأزق فظيع وشنيع، وسوف يفتح الطريق سهلاً أمام كل من تسول له نفسه أن يسرق ويغرق في امتصاص دماء البشر·· فرغم الخصخصة والتخصيص يجب أن تكون هناك رؤية واضحة وموحدة نحو سلعة استراتيجية تمس جوهر المجتمع وحركته وتطوره ونهوضه·· يجب توحيد النظرة والشراكة الاقتصادية في الدولة الواحدة، ولا مجال للشركات الربحية أن تجنح خارج السرب وتبيع وتشتري دون وازع أو رادع·· نريد هبة سريعة لإيقاف النزيف ووضع حد لهدر هذه الطاقة الحيوية والاستراتيجية ومنع تجار السوق السوداء من ممارسة هوايتهم المفضلة·