حينما تذهب إلى بلد، يكون هناك شيء وحيد وملحّ أن تراه، أو يكون هدفاً للزيارة، فالأوروبيون تكون الآثار والمتاحف هي القبلة الأولى لزياراتهم، أما إخواننا العرب الأشاوس فتكون الأسواق هي القبلة الأولى والأخيرة بالإضافة إلى ''لوبي'' الفنادق، مسارح القاهرة الضاحكة، والملاهي التي تظل حتى الساعة التاسعة صباحاً، ورمي النقوط كل يشجع بلاده وناديه وبنات وطنه، العربي يصرف أضعاف ما يصرفه الأوروبي ويعود خاوي الوفاض وخاوي الجيوب ويسحب معه أكثر من مشكلة، الأوروبي يزور الأسواق ليتعلم وليشتري تذكاراً واحداً، يذهب إلى المطاعم ليجرب أكلات الشعوب، يعود وقد ازدادت حصيلته الثقافية ووعيه بحياة وظروف الناس في البلدان التي زارها، العربي يزور روما ويرجع وهو لا يعرف اسم مطارها ولا يريد أن يعرف عن رسامي ومثاليّ عهد النهضة، قلما يعود العربي وهو يحمل في يده لوحة لرسام جميل أو كتاباً يلخص له تاريخ ذلك البلد الذي صرف أموالاً كثيرة ليزوره، حدودهم من باريس مطاعم ومقاهي الشانزليزيه وما يعرفونه من فرنسا شارع وحيد في كان ونيس وباريس حيث الفرجة على البضائع والمصطافات من بلادهم، يصلون موسكو ولا يفكرون في زيارة ستالينجراد لرؤية هذه المدينة الجميلة وزيارة أكبر متحف في العالم وأغناها الأرميتاج، يذهبون لمدينة مثل بيروت ليجلسوا في مقهى ستار باكس الموجودة أفرعه الكثيرة في بلادهم أو يتعشون في مطاعم الـ بيتزا هت التي تعودوا عليها في بلادهم أو يسحبون أولادهم إلى مطاعم ''الجانك فود'' ليزيدوا شحوم الخاصرة، ويربوا اللغزوز· أما أيامهم في بانكوك أو مانيلا فغداء بحري على الشاطئ وديسكو في الليل، أما المعابد والطبيعة الجميلة فهي مضجرة بالنسبة لهم، المشكلة أنهم يكررون الذهاب إلى بلاد بعينها ومدينة بعينها لمجرد أنهم ارتاحوا فيها خلال الصيف الماضي· بين سفر الأوروبي وسفر العربي فروق كثيرة وكبيرة، فالعربي الذي كان على زمن أجداده في سفرهم خمس فوائد، لا يحققون منها اليوم ولا فائدة، غير ترويح النفس، في حين الأوروبي يستطيع أن يعدد كل واحد منهم عشرات الفوائد منها ترويح عن النفس وصحبة ماجد، أما العرب فهم أبعد ما يكونون عن الرحلات الجماعية والمنظمة والارشادية، لأن نشة الصبح ثقيلة عليهم والالتزام بالوقت والمواعيد من أصعب الأمور، لأن الواحد منهم يعتبر أنه في سفر وليس في عمل، هو هارب منه للسفر، الأوروبيون يدخلون مدينة ويضيعون فيها ويتجولون في أنحائها، العرب يدخلون مدينة فيصبغونها بطباعهم ويجبرونها أن تسير على هواهم ووقتهم، حتى أكثر المدن الأوروبية صرامة كجنيف تنّخ لهم ولطقوسهم، فواتير هواتف الأوروبيين، هذا إن كانوا حملوا معهم هواتفهم النقالة، كانت للضرورة التي لها أحكام، أما العرب فتجدهم مدججين بالهواتف النقالة بدلاً من الواحد اثنين، وهات اتصالات مع الأصدقاء والصديقات، نحن الحين في المطعم الفلاني·· بس الأكل عنده يجنن، دخلت محل للشنط بس روعة، بوتيك الملابس والأحذية بصراحة·· بصراحة، ما شفت مثله شيك وماركات ورخيص، ومسجات آخر الليل ونكات متبادلة، يحضر فتسبقه فاتورة نقالاته، وإذا هي تكفي وحدها لرحلة جميلة إلى ماليزيا أما الفئة التي تذهب قاصدة الملهى العربي من المطار، فليلتها لا يبات الحبيب إلا بعد أن ينثر كل أوراقه الخضراء والزرقاء، فقط ليسعد بذكر اسمه أو بلده من فم الراقصة التي تعلك أو المغنية ذات الصوت المطبخي أو المغني الذي يتنطط على الفاضي والمليان، وحين تغيب السكرة وتأتي الفكرة، ويصحو الحبيب بعد الظهر بجفون منتفخة، يتحسس جيبه فلا يجد غير ما يبقيه على الطوى ليومين، فيعود ليحكي بطولاته الوهمية في سفره الوهمي الذي استمر من الطريق من المطار إلى الملهى الليلي