نحن بحاجة اليوم إلى مسرح للإنسان وإلى مسرحيين يخاطبون الوجدان وإلى فن يرتقي إلى مستوى القضايا الجوهرية وإلى مبدعين يحملون راية الوطن ويضيئون شعلة النور في مواجهة الظلام الذي تشيعه فئة رأت أنها من تحت جنح الظلام تستطيع أن تمرر أفكاراً وأن تحرك أشراراً لطمس الحقائق ونفث دخان قيم تزكم لها الأنوف وتتوعك لها الصدور وتدلهم لها النفوس·· نحن بحاجة إلى مسرحيين يقدرون الفن المسرحي باتجاه أفق الخلق والإبداع ومجابهة حاملي أثقال الكبت والتزمت والعجرفة، نحن بحاجة إلى مبادئ فنية مسرحية تسير بالإنسان نحو التطور والتقدم وتبعده عن تجاويف المغالطة وخلط الأوراق وإعماء الأحداق وتهشيم الأمساق وإرهاق المجتمع بصولات وجولات عشوائية لا تخدم إلا أصحاب الفكر المنغلق والعقل المتسلق·· نحن بحاجة إلى رجال يؤمنون بالفن كرسالة ومنهج ودعوة إلى إضاءة المكان والإعلاء من شأن الإنسان واحترام القيم التي نشأ عليها أبناء الوطن وتطورت مع الزمن حتى صارت منارة خير وشعلة عمل وفعل·· نحن بحاجة إلى هذا الصرح المسرحي الذي يؤسس ثقافة معرفية منفتحة على العالم متصالحة مع الآخر، متناسقة مع حركة التطور الإنساني، متوازية مع النهوض الحضاري الذي سلكه مجتمعنا وبكل جدارة حقق من خلاله نجاحات أذهلت القاصي والقريب، نحن بحاجة إلى هذا الفن أن يحافظ على منجزات الوطن ويلبي حاجة الإنسان إلى التخلص من صهد الإجابات الجاهزة· نحن بحاجة إلى هذا الفن المسرحي الذي يفتح الأسئلة لتطال عنان السماء، فديننا الحنيف دعانا لأن نقرأ ونفكر ونتبصر بما حولنا ونهانا عن المكابرة والمغامرة والدخول في أتون حفر مظلمة لا تقود أصحابها إلا إلى الهلاك والضياع والتشرذم·· نحن بحاجة إلى علم مسرحي يصيب مقتلاً في كل الأوبئة والأمراض القارية الواردة من مواقع مخضوضة مرضوضة بهزات عقائدية مريضة وهزيلة ولا حيلة لها غير التعلق بأوهام وأسقام· نحن بحاجة إلى فن مسرحي يرفع قامتنا لتطال قامة الوطن وشموخه وتألقه وتمسكه بالقيم والمبادئ الإنسانية الرائعة·· نحن بحاجة إلى فن مسرحي يعالج قضايانا الراهنة بجرأة وحنكة وفطنة ودراية ورعاية ويخوض أسئلة الوجود بحب وشفافية وعافية· نحن بحاجة إلى نزول أهل المسرح إلى موقع الحدث والتوافق مع المجتمع والانسجام مع همومه وطموحاته بعزيمة قوية وإرادة صلبة وعقول لا تقبل الإنصاف والأشباه ولا تتوازى مع الخطوط الرمادية·· نحن بحاجة إلى أهل المسرح لأنهم اللحن والشجن ولأنهم قرة العين والسكن ولأنهم القوى الأكيدة القادرة على الفعل إن أرادت أن تمارس دورها وأن تحقق رسالة الفن الرفيع وأن تجتاز حقول الألغام التي تسورت بها·· نحن بحاجة إلى أهل المسرح لأنهم الطرف المهم في إضافة الشيء المهم لإنجازات الوطن، والوقوف صفاً مرصوصاً مع المؤسسات الأخرى ذات الشأن الثقافي لمنع تسرب المياه الضحلة إلى نهر بلادنا الصافي·