في أي مجتمع منفتح على نفسه وعلى الآخر، لابد أن تنتابه هزات اجتماعية تلامس قيمه وأفكاره، وهذه ليست سلبية بقدر ما هي إيجابية تحتاج إلى توطيد العلاقة بين الفرد ومجتمعه وترسيخ انتمائه لأرضه ووطنه بعيداً عن اختلاف المشارب، والملل والنحل· وأي مجتمع يريد أن ينفتح على الآخر، لابد وأن يضع استراتيجية التمكين القيمي والانتماء للأرض ضمن الأولويات والأسس التي ينطلق نحوها·· ومجتمع بلا نظام تعليمي وتربوي قائم على أساس التنشئة الاجتماعية نحو حب الوطن يكون قد أفلت الزمام، ساحت الوديان على الأرض البطحاء واختلط الحابل بالنابل، وشاخت القيم الأساسية، وناخت نوق الحب للوطن ومادت الأرض من تحت أقدام الجيل المفترض أن يكون منه قادة المستقبل وصناع الرأي، وأصحاب القرار·· نحن قد تقدمنا خطوات مبهرة ورائعة في مجال العطاء العلمي، وحققنا نجاحات مذهلة، لكن كل هذا لا يكفي لأن العالم والمفكر والمثقف والمبدع الذي تفرزه هذه الشبكة التعليمية الراقية لن يكون أداة نجاح للمجتمع إذا لم يتأزر بتربية موازية تشربه قيم الحب والانتماء والتفاني من أجل أرض يعيش عليها وتسير قدماه على ترابها·· العلم وحده سلاح ذو حدين فإذا لم يحقق برغبة الانتماء الملحة ومشاعر الحب الواقية من كل ريح أو عصف فإنه يصبح كالسكين الحاد بين يدي جاهل ومتطفل· النظام التعليمي في بلادنا حيد التربية وحاد عن نواص التلقين العلمي لمبادئ الحب والانتماء للوطن مما يعرض العقول الدارسة إلى هزات وكبوات ورجات قد تطيح كل ما حصلت عليه من علم وتصبح وبالاً خطراً على المجتمع، وخاصة أن المغرضين والمروجين لأفكار تناف منطق الانتماء إلى الوطن، يهيمون وجداً في بث روح التخلص من ثوابت الانتماء للوطن الواحد وتسويق أفكار جهنمية أنانية مجردة ولا علاقة لها بانتماء الإنسان لوطنه وشعبه·· استراتيجية التعليم الحقيقية يجب أن تنطلق من إعداد فئات المجتمع بدءاً من أبنائنا في التعليم الأساسي ليتعلموا أن لعلم البلاد حرمته، وللوطن قدسيته، ولابن الإمارات مكانته هذا الثالوث المقدس يعلو على كل قيمة أخرى وما الأديان والعقائد إلا من أجل وضع قامة الوطن فوق كل القامات وإعمار الوطن يبدأ من إضاءة النفوس بالقيم الرحيمة والفكر القويم والروح الإنسانية التي تجمع ولا تفرق والتي ترفع ولا تغرق والتي تصنع الحياة ولا تسحق مبادئها وتبيد إخضرارها·· وفي دول العالم المتحضر يتم إعداد جيل من الأساتذة والمتخصصين، والحاصلين على الدرجات العلمية العالية ليضعوا اللبنة الأساسية في تربية النشء والتعامل مع العقول البيضاء لزرع نخلة الحياة وجني الرطب الجلي من نبت تخلص من الشوائب وتحرر من انتماءات لا تمت للوطن بصلة نحن بحاجة إلى علماء في النفس البشرية يزرعون الحلم الجميل ويقذفون بالسوداوية في بحار لا قرار لها·