أطلق مؤرخو الأدب على مرحلة بداية النهضة الأدبية مسمى ''مرحلة الإحياء'' أحيانا، و''مرحلة البعث'' في أحيان أخرى وكان المقصد دائما المرحلة الزمنية التي ازدهر فيها شعر أمثال البارودي وإسماعيل صبري وشوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم في مصر، ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي في العراق، وأخيرا أمثال بشارة الخوري في الشام ويمكن أن نضيف إلى ذلك اسم خليل مطران الذي أطلقوا عليه شاعر القطرين، وجعلوه مكملا لشعراء الإحياء الذين تصوروا النموذج الشعري الذي تطلعوا إليه هو النموذج الذي وصل إليه القدماء قبلهم، في عصور الازدهار الشعري وهكذا أصبحت النهضة الشعرية هي نوع من العود على البدء، وتقليد الشعراء القدامى والتنافس معهم لإعادة عهدهم وإحيائه في آنٍ ولذلك تحدث شعراء من أمثال البارودي وشوقي عن ضرورة إحياء الماضي، فقال الأول: كم غادر الشعراء من متردم ولرب تالٍ بزّ شأو مقدّم في كل عصر عبقري لا يني يفري الفرى بكل قول محكم وقال الثاني: ومن نسي الفضل للسابقين فما عرف الفضل فيما عرف أليس إليهم صلاح البناء إذا ما الأساس سما بالغرف؟ ولكن السؤال الذي ظل بحاجة إلى إعادة طرحه هو هل يمكن إحياء الماضي أو بعثه فعلا؟ إن الشعر القديم الذي تطلع أمثال البارودي وأحمد شوقي إلى السير على منواله هو ابن عصره وزمانه، وهو نتاج لشروط لا يمكن تكرارها إبداعيا، لأن الزمن لا يعيد نفسه، ولا يكرر منجزاته وما توهمه النقاد إحياءً إنما كان نوعا من الموازاة الإبداعية التي يسعى فيها اللاحق إلى مباراة السابق والتنافس معه في المدى الإبداعي نفسه، وهو الشعر، ولذلك كثرت قصائد المعارضات والمخمسات، كما كثرت جوانب التضمين وأشكال التناص التي تضع في مداها الشعر القديم بوصفه هدف المنافسة التي لا يقصد بها اللاحق أن يكون صورة كربونية من السابق، فهذا أمر كان الجميع يعرف استحالته، وذلك بالقدر الذي كان شوقي يعرف أنه لا يريد أن يكون نسخة أخرى من المتنبي الذي أحبه كل الحب، أو أبي نواس الذي تأثر به في مدى الغزل واللهو·