شهر رمضان كريم وجليل فهو يتيح فرصة لا تعوض لغسل محتوى الذات ومراجعة النفس و محاسبتها. ففي بدايته بعثت رسالة نصية لجميع أفراد أسرتي ملاك الهواتف التي تختلي بهم وكتبت فيها «أحبكم وسامحوني علي التقصير». وعندما جاء شهر التوبة: دخلت على بائع هندي يعمل في أحد محلات بيع المواد الغذائية المعلبة بالجملة وسألته عن سعر كرتون يحتوي على 48 علبة صلصة الطماطم، فقال: 30 درهما. فقلت بسرعة وبلا جدل: أبغي 5 كراتين. فرطن مع زميل له ثم سألني: «هذا منشان هنية والا انت يودي بلاد؟» فأجبته: «حق بيتنا بعد وين بلاد؟» فقال مصرا: «اذا انت يودي أفريقيا ما في مشكلة، بس إذا حق هني هذا «كواليتي» ما في زين بعدين انت يرجع سامان قول هات فلوس مال أنا. ما يبيع شوف دكان واحد تاني هذا جملة بيع بس». أردت إدخال البهجة على شهية الصائمين وعندما دخلت محلا لبيع شراشف لللأكل، قررت شراء «سماط» وسألت البائع عن السعر فرد قائلا: «عشرة دراهم». فحبست الرغبة الغريزية في المفاصلة والتفاوض على السعر وقلت له: «قص لي أربع وارات الله يخليك». قص البائع القطعة «ربعها» وحطها في «الخريطة» ومددت يدي بأربعة «نيطان» فئة العشرة دراهم ثم تبادلنا الورق بالكيس. وما إن غادرت المحل حتي سمعت صوته في الزحام «اختي..أختي..تفضلي» فتناولت منه عشرة دراهم، تنفس الصعداء ما إن أصبحت في قبضة يدي وقال: «رمضان كريم» فأجبته» «الله أكرم فليرزقك الله من خيره ويوفقك ويخلي لك أهلك وعيالك». وفي مجمل سوق الجملة بدبي، جلت أتفقد الأشياء و أكتشفها ووقفت أمام محل بيع الأرز وهممت بقراءة الأسماء التجارية المبدعة لهذا المنتج «المجلس» «الملك» «محسن» «مبارك» «أبو جمل» «مشعل» « وسألت أحد الباعة المبتسمين عن النوعية، فقال محورا مغزى السؤال ومبررا لشيء هو يفهمه: «هذه السلع متنوعة و تفي باحتياجات شريحة كبيرة من المستهلكين». فتذكرت تعليق أحدهم على سلة رمضان التي رتبت محتواها الجمعيات التعاونية لتتماشي مع ظروف الزمان والمكان « هي سلة بها شاي ماركة أبوعبدو وسكر ماركة أم عبدو وأرز ماركة عبدو الصغير (يعني ماركات غير معروفة). تري لماذا نصر على لبس ماركات معينة وندخل أجسادنا وعقولنا أي شيء طالما هو رخيص؟ وفي سوق الخضار بدبي، تفانيت لتلبية طلب غادة ابنة أختي التي تداعت شهوة صيامها ورغبتها في أكل المحشي، فقررت أن أشتري خضروات تحشى بمالذ وطاب وتعثرت بين البائعين تائهة في الغوغاء والفوضي أبحث عن ما يجذب البصر فيشتريه المال. وتجلت أمامي خضراء تتفتق نضارة كوسة شامية فسألت البائع باللغة الانجليزية عن السعر. نظر عن يمينه ثم عن شماله وهمس 20 «فور يو» .. «لوكل بيبل هاف مور ماني 30 درهما برايس». وفي طريقي إلى البيت رفع أذان المغرب فأفطرت عند سماعه في إحدى محطات البنزين وجاء التمر والماء «مجانا» ولم يسألني أحد فيما لو كنت مواطنة أو وافدة. مبروك عليكم الشهر، تقبل الله توبتكم وصيامكم وقيامكم. فلنتصور حبنا لله والتزامنا بديننا في شهره الكريم وتلك المشاعر والمبادئ و السلوكيات التي نكنها للبشر و الوطن. bilkhair@hotmail.com