يعرف القريبون مني ولعي بالكتابة عن نفسي، وهوسي غير المحدود بالتعليق على كل ما أراه ولو بجملة صغيرة في مفكرتي الرمادية المهترئة؛ فالكتابة منجاي الوحيد من ذلك السقوط المزعج في هاوية اللاشيء؛ لم أتعجب من تعريفي لنفسي عندما طلب مني مُدرب في أحد الفصول الدراسية التي أحضرها، أن أكتب جملة أعرف بها شخصيتي، فوجدتني أكتب جملة «أنا امرأة مشغولة باكتشاف ذاتي»، وأنا فعلا كذلك. ويبدو أن هذا الأمر أزعج بعضهم، فقد كان أحدهم قد سبق وحذرني من إغراق زاويتي الأسبوعية بالحديث عن نفسي؛ ولكني للآن لا أرى ضررا في ذلك، فكل الإنتاج الإنساني سواء المادي أو الفكري، صادر عن رؤية الإنسان للحياة والأشياء من خلال عينية، وهنا يكاد يعدم الفرق بين الخاص والعام، فلا معنى للعام إلا من خلال أعيننا التي هي خاصة، بل وخاصة جدا. أنا هنا لا أدعي أن ما أكتبه يرقى لمستوى النتاج الإنساني؛ ولكن من يدري، قد تفتح هذه الكلمات البسيطة التي أكتبها هنا أسبوعيا أفق مختلف يكون سببا في أن ينتج أحدهم شيئا يضاف للإنسانية؛ ومن جديد سأعود لنفسي، لأني –أعتذر مسبقا- لا أستطيع أن أرى شيئا بدون المرور من ذاتي. *** كانت والدتي تشتكي مني دائما كون أحذيتي تتلف بسرعة، وطالما سمعتها تقول لي: «في أحذيتك يسكن عفريت»؛ وعندما كبرت لم تعد أحذيتي تتلف بتلك السرعة، فقد غادرها العفريت، ولكنه انتقل إلى قدمي، فأنا صاحبة خطوة سريعة لا تليق بامرأة؛ ولكن الغريب أن عفريتي لم يتوقف عند قدمي ولم يكتف بإتلاف مشيتي، فأنا سريعة الكلام، وسريعة التقلب، وسريعة الضحك، ولكن الشيء الوحيد الذي لم يفلح العفريت في جعله سريعا، هو كتابتي، فلا اعتقد أن على وجه الأرض من هو أبطأ مني في الكتابة. تقريبا لدي حالة مخاض أسبوعي لكي أكتب هذه السطور، وصدقوني أنا لا أبالغ في ذلك –فنحن في شهر لا يجوز فيه الكذب-، خاصة إذا عرفت أن ما سبق أخذ من وقتي عشر ساعات، أي بمعدل دقيقتين لكل كلمة، وفي أحيان كثيرة ثلاث دقائق لكل كلمة؛ هذا رغم أني اكتب عن شأن خاص تماما، خاص ومنغمس في الذاتية!! als.almenhaly@dmedia.ae