في ساعة الإفطار، بعد انطلاق المدفع بلحظات، بادر إبراهيم حمدي إلى تنفيذ خطته. وهي خطة الهروب من المستشفى/ السجن ليقوده قدره على دروب الوطن والحبيبة، كما رسمها له إحسان عبد القدوس في روايته الشهيرة «في بيتنا رجل». دائما يتصدر هذا العمل الروائي الفريد لعبد القدوس ـ في موضوعه ومقارباته ـ قائمة الروايات العربية التي شكل شهر رمضان المبارك خلفية للحدث فيها. وهي قائمة قصيرة للغاية، وعناوينها البارزة لا تزيد على عدد أصابع اليد الواحدة. وكأن الراوي العربي، في صيغتيه الكتابية والشفاهية، اتخذ من الشهر الفضيل مناسبة للسرد وليس موضوعا للسرد. وفي النتاج الكثيف لشيخ الروائيين العرب نجيب محفوظ، لن نجد رمضان مسرحا للحدث إلا في «خان الخليلي»، حيث يلاحق حركة بطله أحمد عاكف وأفراد أسرته في كنف شهر الصوم، وبين أعطاف الحي القاهري العريق الضاج بالحركة والصخب زمن الحرب العالمية الثانية. وبقدر ما تحمله الرواية من قيمة سردية واستدلالية على الشخوص والأمكنة، فإنها تنطوي على قيمة تسجيلية كبرى للعادات والطقوس الرمضانية. وهو ما لم يفعله محفوظ مثلا في ثلاثيته (السكرية، قصر الشوق، وبين القصرين) على الرغم من الفترة الزمنية الجيلية التي تغطيها. كان رمضان في الثلاثية مجرد مناسبة خاصة بالسيد أحمد عبد الجواد يفارق فيها حياته الأخرى، السرية، حياة العبث واللهو، ليكتفي بحياته العلنية المتشددة بين أفراد أسرته. والغريب أن أعمالا روائية عربية ممتدة في قاعدتها الزمنية، مثل «مدن الملح» لعبد الرحمن منيف لم تلحظ مرورا رمضانيا في أوقاتها.. فهل يكون رمضان مجرد حيلة روائية أمام المؤلف كما فعل عبد القدوس ومحفوظ، أم أنه مرتكز تأريخي كما فعل جرجي زيدان في روايته «17 رمضان» التي أرّخ فيها لمقتل علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، أم أنه مخزن تراثي يتعامل معه الروائي بروح الباحث على طريقة جمال الغيطاني في «الزيني بركات»؟ هذه الأسئلة تأتي على سبيل التزيّد في معالجة موضوع أمثلته قليلة ودلالاته بالتالي أقل، على الرغم مما يمثله شهر الصوم في حياة مئات الملايين من المسلمين والعرب. ولولا الاستدراك الذي فعلته الدراما التلفزيونية، منذ عدة عقود، لبقيت سرديات رمضان مقتصرة على «الحكواتية» في «قهاوي» القاهرة ودمشق وبغداد.. لقد اختصر أسامة أنور عكاشة منذ «ليالي الحلمية» أدوار نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وجمال الغيطاني وغيرهم، مؤسسا لجنس أدبي جديد سيلحق به كثيرون، قبل أن يتلقفه السوريون في حاراتهم ومن ثم الخليجيين وغيرهم من العرب.. فيخرج الأدب الرمضاني معهم من صفحات الكتب، إلى شاشات التلفزة، ما يغني المؤلفين العرب عن شرّ الكتابة، ويعفي ملايين المشاهدين من متاعب القراءة وتكاليفها.. عادل علي adelk58@hotmail.com