هكذا عبر وجوهنا المعبرة نرى حقيقة القسوة التي تكتنف قلوبنا المسودة، أحيانا تجبرنا الحقيقة على نسيانها، ولكن للأسف نحن نقوم بكبتها ورميها أسفل الذات، وما أن تجد محفزات حتى تظهر، ونبدأ بترجمتها على هيئة سلوك خاطئ يجرنا نحو الذنب، الذنب الذي يمنعنا من رؤية الصواب، وتبدأ الطرق الوعرة بالظهور، وتبدأ طبول الصمت بالتحرك نحو عالم آخر، عالم النواة السوداء داخل الكون الفسيح الذي يسكن أجسادنا. الغضب، الفرح، الحزن وحتى البكاء هي أسطح نلمس من خلالها حرارة أجسادنا المتفحمة، نحلم بالحرية من تلك الكتل المتفحمة، لكننا نعود لكي نرسم عبر تلك الأسطح الحارقة، أي عبر وجوهنا تعابير القسوة. وهنا يأتي الفن لكي يسقط عن وجوهنا تلك القسوة، لكن للأسف هذه الحرارة تكون قد انتقلت إليه عبر التلامس المباشر بينه وبين الفنان ، وبدأت القسوة بالإنتشار لتصبح سمة من سمات مجتمعاتنا المتمدنة. نظن أن الحرية تكون عبر الفن، ولكننا مخطئون، لأن المنتج الفني ما هو إلا عود يسمعنا صوت العازف، واللحن عبارة عن عزف منفرد، الوجوه التي تستقبل هذا اللحن وجوه صابها فيروس القسوة والجفاف، وعندما نتعاطى مع هذه القسوة نشعر بالحنين للطيب واللين، ونأمل أن نتخلص من بذرة القسوة التي غرسها المجتمع على وجوهنا عبر الفن، حيث يجب أن نوقف هذا الوباء المنتشر بين الفنانين، فقلوبنا كفنانين عطشى يجب أن نسقيها بالماء وليس الجمر. الفن وجد لنا نحن البشر، نرسم عبر الآلات الحادة وجوهاً مبتسمة، وليس أجساداً عارية من غير ملامح، دائما نحلم بالحرية وننسى بأنها موجودة على وجوهنا، نستقبلها في الصباح الباكر بالماء البارد المنعش، ونضع عليها كل أنواع المساحيق لكي تشرق، لكن تظل الابتسامة سيدة الجمال، وجودة العمل الفني تكمن في مصداقية السعادة التي نقدمها للمشاهد، وليس في القسوة التي تلهب العيون، فلا تستطيع التحديق بها. أحيانا تجبرنا المواقف اليومية، على تغطية المنتج الفني بالقسوة، ليس من باب السواد الداخلي، بل لأننا تعلمنا الغضب منذ الصغر، تعلمنا كسر الزجاج والهرب دون أي عقاب يذكر، وإن وجد العقاب فهو بعيد عن قواعد بناء السلوك، من باب التعبير عن الغضب والسيطرة. science_97@yahoo.com