عشية اليوم الأول من الشهر الكريم كنت أتجول في سوق شعبي بمدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية والتجارية للمملكة المغربية الشقيقة، يقال لهذه السوق «سوق الحفاري» تضم فيما تضم أكثر محال بيع التمور بالتجزئة في المدينة، وكذلك دكاكين وبسطات البهارات المغربية الشهيرة والأعشاب الطبية المتنوعة، وغيرها من السلع التي تضفي على الأسواق الشعبية نكهة خاصة معتقة عتق المباني والزوايا المحيطة بها. كنت أتجول بين «بسطات» التمور المتنوعة المعروضة، عندما استوقفتني لوحات البائعين وأصواتهم، بلوحات ونداءات عن تمور الإمارات إلى جانب غيرها من الأنواع. أطربني النداء أنا القادم من ذات الأرض التي تضيء محبة وعطاء. ورغم الازدحام في ذلك الزقاق أو«الزنقة» كما يقول الأشقاء في المغرب ،واصلت جولتي متردداً على ذات «البسطات» التي تعرض تمور الإمارات، كما لو أنني أكتحل بمرآها للمرة الأولى، رغم التشبع الذي أشاعه داخلنا مهرجان ليوا الخامس للرطب الذي ودعنا الشهر الماضي، والذي كان أحد مظاهر احتفاء أبناء الإمارات بهذه الشجرة المباركة، وتجسيداً لارتباط قوي تتوارثه الأجيال. أن تتواجد تمور الإمارات في سوق شعبي في هذه البقعة القصية من عالمنا العربي لم تكن إلا ثمرة من ثمار الاهتمام بالزراعة إجمالاً، وبالشجرة المباركة على نحو خاص. كثيرون منا لا يعرفون من مظاهر ونتائج هذا الاهتمام. كانت صور كميات تمور الإمارات المعروضة في ذلك السوق الشعبي فرصة للإبحار في رحلة مع النخيل والشجرة المباركة على أرض الخير والعطاء، الأرض التي خصصت جائزة دولية رفيعة لنخيل التمر تحمل اسم قائد مسيرة الخير، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله. وفي مارس من العام الجاري،قدمت موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية شهادة رسمية تفيد بأن دولة الإمارات حصلت على المرتبة الأولى عالمياً في زراعة أشجار نخيل التمر في العالم، «حيث وصل عدد أشجار نخيل التمر المزروعة في دولة الإمارات إلى أكثر من 40 مليون نخلة بحسب آخر إحصائية رسمية، وهذا الرقم يعتبر الأول من نوعه في العالم حيث لم يسبق لدولة أخرى أن وصلت إليه في زراعتها لأشجار نخيل التمر كما فعلت دولة الإمارات بحسب شهادة الموسوعة العالمية. عندما كنا تلاميذ في المدارس كنا نقرأ في دروس الجغرافيا عن بلدان مليونية في النخيل تمر بها أنهار كثيرة وتهطل عليها الأمطار الغزيرة في مواسم مختلفة. واليوم عندما تستحضر إنجازاً كهذا، و يصبح معه لإنتاج الإمارات من التمور حصة في السوق العالمية للتمور، تتجسد أمامك رؤى القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وإيلاءه الاهتمام المبكر بالزراعة إجمالاً والنخيل بشكل خاص. وما هذا الواقع والأرقام سوى محصلة لتلك الرؤى، وشاهدا من شواهد جهد كبير تحولت معه العلاقة بالزراعة، وبهذه الشجرة المباركة تحديدا إلى لوحة تعبر عن إرادة إنسان هذه الأرض وعزيمته نحو الصدارة و التميز.