ذبلت الوردة الوحيدة على الطاولة المهجورة منذ الصباح الباكر، حيث لم يأتها أحد، ولم تسق الماء في الصيف الحار، بقيت وحيدة حتى تبخر رحيقها، لم يدهش بها أحد، ولم يلحظ وجودها أحد. كما لم يعرف أحد بأن هذه الطاولة الوحيدة منذ أعوام، يتحطم عليها كل الحب وكل الجمال. والغريب أن الذي وضع الوردة على هذه الطاولة لملم أشياءه كلها بعد أن مل الانتظار.. انتظار من يبلل روحه بالفرح، من يشرق وجهه كلما حطت الكلمات في أذنيه وعزف صوته لحنه الملائكي كي ترقص روحه مع النسيم وتتمايل البهجة مع نبضات قلبه، لملم كل أشيائه وترك الوردة وغادر من دون أن يتذكر أو يلتفت خلفه، عله يشك بأنه ضيّع شيئاً ما، عله يلتفت للوردة ويعيدها إلى الماء أو إلى التراب كي تعيش وتستمر دورة بريقها ونضارتها، كي تبقى تثير الشعور الجميل في النفس كلما نُظر إليها. في المسرات الكثيرة.. في صباح البهجة ومساءات الشوق وتحقق اللقاء، كانت الطاولة تراقب القادمين، وتبتهج كلما حط عليها عاشقان، إلا أنها لا تستطيع أن تمضي في الفرح بعيداً، حيث سرعان ما يختلف العاشقان حول حقيقة المحبة ويمضي كل منهما عكس اتجاه الآخر، وتبقى الطاولة حزينة بحزن الخشب، حين يُقتلع من أرضه وحين يحوله المنشار إلى قطع وتمضي المسامير فيه حتى الوجع والأنين الذي لا يسمعه أحد. الوردة الذابلة، مازالت على الطاولة التي ينكسر عليها كل الجمال، وفي القريب منهما عين رأت وأذن سمعت. فما الذي قالته الوردة للطاولة؟ من الأصقاع البعيدة أتيت، وكان هذا العاشق لا يعرف وجعي حين قطفت وتبدلت ملامحي، حملني بين يديه، ومتلهفاً أتى يلتقي عشقه ويضعني بين يد من يحب، فسمعت نبض دمه ودقات قلبه، وعرفت الحنين في روحه، عينه تعشق الجمال حين يتجسد في كل شيء، في الماء والسماء والغيوم والشمس، في الكلام والأجساد والهواء والوجوه، في الحروف وفي وجع القصيدة ولهفة اللحن، يسكنه الالتزام بالحياة بأن يقصي الخداع بعيداً، أن يكون صافياً بقدر ما يستطيع، لا يلتفت إلى عكاكيز الأمل ولا يأمل من الغد سوى أن ينهض وقلبه يدق بفرح وروحه منتشية بالنهار الجديد ونفسه تستقبل بهاء الكون. هذا شيء مما أسرته الوردة للطاولة.. وفي لحظة، سرقت الوردة نظرة من عيونٍ فاتنة الاتساع، صافية البياض، ساحرة النظرة، وامتدت إليها يد امرأة تتكسر أمامها الصغائر، ترق لها العاصفة، قلبها مفتوح للمحبة إلى الأبد، وروحها تستقبل الجديد والجميل والمختلف، تستقبل الابتسامات الجميلة والحروف النقية والأفكار التي تسمو ولا تنحدر.. وفي أقل من لمح البصر، تفتحت الوردة وعاد إليها بريقها وفتنتها للعيون. والطاولة جمعت كل القصص وأعادت نسجها وكفت أن تكون الملتقى الذي يؤدي إلى فراق. saad.alhabshi@admedia.ae