في أصيلة المغربية اجتمع خبراء وأكاديميون ومثقفون من دول حوض البحر الأبيض المتوسط ليدرسوا ما أسموه «البعد الثقافي في الاتحاد من أجل المتوسط». ناقش المجتمعون في رحاب محمد بن عيسى ومنتداه السنوي المسألة من وجوه عدة. لكنهم طرحوا أسئلة من غير أن يبحثوا عن إجابات. بعضهم جلد الذات، على جري العادة. آخرون رأوا أن الباب عبر المتوسط هو ذو ضلفة واحدة، تفتح من الشرق إلى الغرب، من الشرق المتوسطي العالم ثالثي إلى الغرب الأوروبي المتقدم. أحد المشاركين، الدكتور عبد السلام المسدي، المثقف ووزير التعليم العالي التونسي الأسبق، حدد شروط ما أسماه قيام ثقافة متوسطية، وهي في رأيه السلم والتنمية المتكافئة والميثاق الديمقراطي والإنصاف الثقافي، باعتباره مكوناً لمعادلة «الأنا والآخر» أي الاعتراف المتبادل. وكأنه بذلك يعيد صياغة مبادئ ذات نكهة أميركية تتخذ عنوان الشرق الأوسط الكبير حينا، والعولمة دائما. في الوقت الذي كان فيه متحاورو أصيلة يغرقون في مقارباتهم المتسائلة، في بيئة صحية تشبه بيئة المستشفيات النقية من الأوبئة، كان خالد سكاح العداء المغربي السابق يعقد مؤتمرا صحفيا في الرباط، يتهم فيه سفير النرويج بتنظيم عملية اختطاف على طريقة العصابات لولديه لإعادتهما إلى أمهما طليقته النرويجية. بين الحدثين تكمن مفارقات كثيرة، يجملها عنوان رئيسي واحد: نحن وأوروبا، لكنه عنوان لا يلخص ما يندرج تحته من مشاكسات شائكة، أجملها مفكر أوروبي ـ وليس عربيا أو مغاربيا ـ بمقولة لم تفقد صدقيتها بعد هي: الشرق شرق والغرب غرب. ما زالت الضفة الأخرى للمتوسط، المغاربية والمشرقية عموما، هي الباب الوحيد المقترح أمام أوروبا الغربية للخروج من حيزها الجغرافي. ولقد كرست في الماضي صيغا عديدة لولوج هذا الباب، مرة عبر حوار الشمال والجنوب، وأخرى عبر الحوار العربي الأوروبي (سبعينيات القرن الماضي). حينا عبر النشاط الثقافي ودائما عن طريق الدور الاقتصادي. تريد أوروبا من شركائها المتوسطيين، العرب منهم على وجه التحديد، أن يبقوا في إطار اللوحات التشكيلية التي رسمها لهم الرسامون الذين رافقوا الحملات الصليبية أو الذين جابوا المنطقة في سياق حركة الاستشراق القديمة. الشرق الغامض، المحرض للمخيال الأوروبي الباحث عن الغرائبية والسحر. أما ما خلا ذلك، فإن الشرق هو جيوش من المهاجرين يعبرون مضيق جبل طارق بصورة غير شرعية هربا من الجحيم إلى النعيم. الشرقيون هم سكان الضواحي الفقيرة المضطربة في المدن الأوروبية العامرة. وفي أحسن الأحوال هي تلك النصوص التي تختارها المعاهد والمراكز الثقافية الأوروبية لكي تغذي بها مخيال قراء باحثين عن متعة حسية أو روحية مفتقدة. وهي تلك البرامج والأفلام الوثائقية التي يمولونها، لكي تكمل الصورة المفترضة عن منطقة هي منبع الغرابة والتطرف والإرهاب بمعناه السائد. يريد الأوروبيون من الشرق ما يكمل صورته التي رسموا خطوطها الرئيسية منذ قرون، مخفين تحت ظلال ألوانها ما فعلوه هم في هذا الشرق. من المؤكد أن متحاوري أصيلة لم يغفلوا عن كل ذلك، لكنهم فعلوا كما يفعل الأوروبيون بالضبط. استعاروا منهم نظرتهم وأدواتهم في القراءة والبحث، فجاءت مداخلاتهم غنية بالأسئلة لكنها خالية من الإجابات. عادل علي adelk58@hotmail.com