واقعتان قد يبدو لا رابط بينهما، ولكن قاسمهما الاستخفاف والاستهانة بحياة البشر، الأولى الحادثة التي جرت في دبي، وانهار فيها مبنى مكون من ثمانية طوابق كان قيد الإنشاء، شاءت العناية الإلهية أن يكون في تلك اللحظة خالياً من العمال داخل الموقع وفي المنطقة المحيطة ، واقتصرت خسائره وأضراره على الجوانب المادية فقط. وستكشف التحقيقات التي تجريها شرطة دبي والأجهزة المختصة أسباب الحادث، الذي لن تكون بعيدة عن الاستخفاف بحياة الإنسان، فأي خطأ أو تهاون سواء كان بقصد أو بدون قصد يقود إلى نتائج كارثية تحصد أرواحاً بريئة. الحادث الذي وقع في شارع الاتحاد بديرة الأحد الماضي أعاد إلى الأذهان حادثة جسر دبي الجديد بالقرب من جزيرة النخلة، والذي كان هو الآخر قيد الإنشاء عندما انهار قبل عامين وأودى بحياة سبعة عمال وإصابة 15 آخرين. أما الواقعة الأخرى والأخطر، فقد كانت تتعلق بالكشف عن وكالة لأنواع معروفة من التمديدات والأجهزة والمعدات الكهربائية والمائية والمستلزمات المنزلية تقوم بغش زبائنها، وتبيع لهم قطعاً وأجهزة مقلدة لذات الماركة على أنها ذات العلامة التجارية الإصلية. وخطورة هذه الواقعة تتمثل في أنها تضرب وفي الصميم الثقة والمصداقية التي يتعامل بها المستهلك مع وكالة تجارية يشترى منها ما يحتاج، وهو مطمئن على أنها تختلف كلياً وجذرياً عما يتوافر في الأسواق من أنواع مقلدة أو أخرى غير مضمونة. ويحرص على ذلك من أجل سلامته وسلامة أفراد أسرته، وللوقاية من أية آثار ونتائج تترتب على استخدام مثل تلك القطع. وأجهزة الدفاع المدني الأكثر دراية بحوادث انفجار سخانات المياه، والحرائق التي يتسبب فيها ماس كهربائي من جراء استخدام قطع غير آمنة. ويحرص الكثيرون منا عندما يذهب إلى محل من محال بيع هذه الأدوات في السوق على أن يؤكد للبائع انه يريد النوع الأصلي وان غلا ثمنه، وليس التجاري، وهو الاسم المتداول في الأسواق للأنواع غير الأصلية من القطع. ومن خلال متابعاتي أعرف أن الوكلاء التجاريين للماركات المعروفة من السلع، وبالذات للمعدات وقطع الغيار يشكلون مجالس لهم تدعمها الشركات العالمية المنتجة للسلع من أجل مكافحة التقليد والغش التجاري الذي يكبدها خسائر بمليارات الدولارات، كما أن شبكات من المحققين والمخبرين يتبعونها لكشف التدليس والغش التجاري والتقليد. ولكن أن تتورط وكالة في ذلك يعد أخطر ما في الأمر. وحتى لو خرج علينا البعض بتفسير يحمل فيه عمالا تورطوا في هذه الفعلة من دون علم ومعرفة صاحب الوكالة، فإن استعادة ثقة الناس سيكون في غاية الصعوبة. إن تشدد الإمارات في قوانينها وإجراءاتها فيما يتعلق بحماية الملكية الفكرية جاء انطلاقا من الحرص على سلامة وصحة الجميع من مخاطر استخدام سلع مقلدة أو دون المواصفات المطلوبة، ولكن هذا الأمر يجب الا يكون ذريعة أصحاب الوكالة الحقيقية أو الأصلية لإستغلال الناس والمبالغة الجائرة في أثمان ما يطلبون للسلع.