في البهو الفندقي الكبير، يلتقي أناس كثيرون كل يوم بعد العصر من مختلف جهات الدنيا، هناك من يستعرض بلاغته وقراءاته، مثلما يستعرض آخر أسنانه الجديدة، بعدما فتح الله عليه قريباً، وهناك من يستعرض أهميته الاجتماعية أوهكذا يوحي لناس المدينة العابرين، وهناك من يستعرض مهاراته في النصب، وهناك من يستعرض قدراته وممتلكاته، ويومئ بالفهم العميق لعازفة البيانو المضطربة دورتها الشهرية من خلال ابتسامة فاترة، وهناك من يستعرض رجولته التي لا تنم عن خير كثير، وهناك من يستعرض خليجيته، مخرجاً الكلمات بطريقة مقطّرة، ومعطرة، هناك من يستعرضن أنوثتهن، وإغواء عطورهن، وملبوساتهن وهناك من يستعرضن بحراسهن الأمنيين الذين يكرهون المزينين، ومِحْنَهم البارد، في ذاك البهو جميعهم عارضون ويستعرضون! خلق كبير، ومختلق عجيب يعج به المكان المرمري الذي يشعرك لأول وهلة أنه بوابة شيطانية لدهليز باخوس أو فرجة واسعة لمشروع أرملة لا تطيق البكاء كثيراً. تلمح شخصين متعاكسين حول طاولتين متقاربتين، بين دكتور شبه أكاديمي، رقيق الجلد، ونظره لا يساعده بعيداً، ولنظارته ثقل تشعر به، والغليون ما كان يبرح فمه، بدلته البيج واسعة، متهدلة الأكتاف، تشك أنه مصاب بالسكري من النوع الثاني، والذي يبدو من خلالها أنه يشتغل في هيئة الأمم المتحدة أو إحدى اللجان الكثيرة التابعة لها. الشخص الآخر يبدو أن أباه كان وزيراً سابقاً من ذاك النوع من الوزراء الذين يراهم مجلس الوزراء مرة واحدة، حين تمر البلد بظروف استثنائية، يبدو شخصية متعافية، يميزها السيجار الغالي، وجاكيت الجلد الذي لا تعرف قيمته إلا عن قرب، شعر أصابعه مرتب بطريقة ربانية، بدا اليوم وبعد أن رافق رجال أعمال جدداً وطارئين من الخليج، أنه لم يفلح في تجارته، حيث لم يصب منها إلا الرحلات الصيفية، وتلك السهرات العابثة التي تجعله يتقلب ما بقي من الليل، وتشعره بحموضة حارقة صباحاً. تعود إلى الشخص الأول الذي لابد من أن يظل أحد ما منتبهاً له كتلميذ نجيب، ويبقى هو يحادث مجالسيه، وأكثرهم انتباهاً بنت ترتدي الحجاب الملون، ليس من مدة طويلة. الشخص الثاني لا بد أن يكون بنطلونه رصاصياً ومفصلاً عند ترزي قديم ظل يهرم في محله وحده، الناس الذين مع الدكتور شبه الأكاديمي، كلهم يشربون شاياً فندقياً، مثل شاي المستشفيات والمطارات، والذين مع رجل الأعمال طبعاً لا يشربون شاياً. وجه رجل الأعمال طويل، لا ينم عن فقر أبداً، وحدهما خدا الدكتور مائلان إلى الجفاف والتصحّر، الدكتور شربه الماء الفاتر، ولا ينسى حبة الدواء المسائية التي لا تزال زوجته توصيه ألاّ ينساها، الذين مع الدكتور حين يغادرهم، يذكرونه بالخير، ويتذاكرون ما قاله، والذين مع رجل الأعمال ما أن يهم ويغادرهم حتى يمطروه بسبابهم، ونميمتهم التي تتعداه إلى زوجته وفحولته. الذين مع الدكتور روائحهم روائح طلاب أتوا من أماكن بعيدة، وبطريقة مستعجلة، وثمة عطور أنثوية قاومت منذ الصباح الباكر حضور الندوات، وركوب سيارات الأجرة. روائح الذين مع رجل الأعمال صابون وكولونيا ما بعد الحلاقة، وروائح سيجار، وسجائر أميركية، مختلطة بعطورهم، هي عادة هدايا من زوجات غير مخلصات دائماً.