يتمنى لو أن جبال صعدة اليمنية تخرج من دمائها القانية إلى خضرة يافعة يانعة.. وأن تصير الكهوف المعتمة منازل حب وألفة تجمع بين الناس ولا تفرقهم الفرق والملل والقبائل، وأن تعيد بلقيس رونق حضارتها وعفوية بدايتها ومنارة ثقافتها التي سبقت غيرها في ذلك وأن يستيقظ البردوني من قبره ليقول لحملة السلاح الأحمق الشعر أصدق أنباء وأجدر أن يكون سمة من سمات اليمن السعيد.. يتمنى لو أن السودان يعيد ترتيب مجرى النيل الأزرق ليحيك ثوب الجنوب متصلاً بالشمال وعند دارفور يضع أزرار رباطة الجأش ويصدح السودان الكبير بأشعار الفيتوري ويسرد رواية الطيب صالح «موسم الهجرة» من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال، ولا لون للسودان غير زرقة النيل وخضرة الأرض ولهفة الإنسان للوطن الواحد. يتمنى أن يتخلى الصومال عن قرصنة البحار، وشعوذة الأفكار، وسمة الانتحار اليومي.. ويتمنى ألا يأسف الإنسان الصومالي البسيط كثيراً على رحيل زياد بري ويعيد ترتيب وجدانه ضمن مرحلة ما بعد التشرذم وتقطيع الأوصال، وتحطيم الآمال وسوء الأحوال وضياع النفس والمال لبلد كان بإمكانه أن يكون رئة الوطن العربي على بحر أحمر دون دماء.. يتمنى أن يستعيد العراق عافيته ويعيد قراءة السياب من جديد ويستأثر بشعر البياتي ونازك الملائكة، وقائمة تطول من الذين عانقوا شغاف نخيل البصرة وبسطوا ذراع القصيدة على النهرين المبجلين.. يتمنى أن يصحو المارد العراقي بنخوته ورسالته السماوية التي لم تفرق ولم تمزق ولم ترهق ولم تهرق ولم تحرق ولم تطرق غير أبواب النهوض باتجاه الإنسانية جمعاء.. يتمنى أن تنمو الديمقراطية كنبتة بغدادية على الشاطئ الأغر بلا تثريب أو تهريب أو تخريب أو تجريب ما لم يجرب.. يتمنى أن يصحو لبنان من صدمة المفاجآت وأن يشفى من جنوب متوتر وشمال متضور لسلام دائم لا تشوبه شائبة، طائرات تجسسية تفزع الكبير وتفترس أحلام الصغير.. يتمنى أن يتحدى اللبنانيون جميعاً ظروف الماضي وتراكماته ويعيدوا للبنان الجميل تألقه وبريقه الثقافي والفكري.. يتمنى لو تموت كل الشائعات والمشاحنات والمشاكسات ولا يترافع السياسيون اللبنانيون إلا عن لبنانيتهم وبيروت عاصمة الجميع وثوب الجميع وحصن الجميع، وسكن القلوب المطمئنة الآمنة. يتمنى أن تتجاوز فلسطين محنة الشقاق بين الرفاق، وأن يكون الوفاق طريقاً للخلاص من الاحتلال والاستغلال والاختلال والبقاء على ثوابت التحرير دون مزايدة من طرف أو مكابدة من آخر، يتمنى أن تعود فلسطين للفلسطينيين جميعاً، وأن تتحرر الشاشات الفضائية من الشتائم وولائم السباب والألفاظ التي لا تليق بشعب عليه واجب التحرير لا التبرير والتحوير.. يتمنى أن يكون الجدار الفاصل، فاصلاً للخناقات، عازلاً للمناوشات، ومفصلاً جديداً لإعادة الالتمام والالتحام والانسجام بين الاخوة.. يتمنى أن تكون فلسطين دائماً محور القضية ومركز الدائرة وقطرها وما استجد من جبهات ومنظمات وعقائد وملل ما هي وسيلة وليست غاية.. الغاية والهدف فلسطين ولا شيء غير ذلك..