على الشرفة المتآكلة في البيت المهجور تقف من كانت تسمى سيدة المساء! في الثوب الوردي العطشان في الزينة التي اختارتها على مهل، وعلى ملل في الذهب الذي جاء كهدايا غير منتقاة وفي الشال الذي حاكته بكسل. يتردد في بيتها صوت مطرب مقبور وضحكات خادمة وفيّة! لم يبقِ العمر لها، إلا بضع أسنان مترجرجة وصندوق رسائل سرية. تقف من كانت تسمى سيدة المساء تأكل الناس والشوارع بعينيها تسرد لشبحها عن فتى غرير، كان يسبق مواعيده وعن موسيقيّ عجوز، كان ينام على وتر كمانه وبعض مهاجرين نسوا صدور النساء خلف بحورهم! تتمنى.. لو ترمي بأثقال الدنيا والسنين خارج بوابة قلبها وأسوار ذاكرتها تتمنى.. لو كان العمر لحظة شوق، ثم فناء! لو لم يكن الوقت مخرزاً في الرأس ولو كانت غزلان القلب، ما تزال ترعى عشب القلب! ولو لم يكن كل هذا الضجيج يأتي به المغادرون لحظة حضورهم! تقف سيدة المساء، كظل امرأة جليلة تجتر كآبة المساء، تحترق بكآبة المساء تتذكر.. كل أولئك الذين لونوا خريطة الجسد تركوا في كل ركن من رأسها: أغاني حب.. شقاوة عمر.. أو حبلاً من مسد!