إذا كنت جالساً في مطعم راق، تتناول العشاء مع زوجتك المصون، بمناسبة عيد زواجكما الميمون، أدامه الله عليكما، وأنتما ترفلان في أحضان السعادة، ودفء المشاعر الفيّاضة، وفي عز ضحككما وأنسكما، مستمتعان بجو المطعم الراقي الذي تصدح في أرجائه موسيقى تذكرك بتساقط ندف الثلج على بيوت الخشب السويسرية، تتقاسمان البسمة كطائري حمام أبيض. وفجأة تدخل ضجة تسحبكما من الجو الرومانسي المتخيل، تدخل عائلة تبدو على الرجل علامات عدم الارتياح والضيق من شيء ما، لا نعرفه بالتحديد، وتبدو معه زوجته وأخته وابنتها، ساعتها تهيأ لنا أن الرجل عاقر على ما يبدو، أو يشكو من أوجاع تخص الرجولة، ولا يريد أن يعرض نفسه على طبيب أمراض جلدية، وأنه ترك تدريس مادة التربية البدنية منذ مدة ليست بالبسيطة، واشتغل في الـ«بزنس» قريباً، تكبد كثيراً من الخسائر في بداية عمله، لكن بيع السيارات المستعملة، والمستوردة من ألمانيا مباشرة، عدلت من حاله. جلس قبالتنا، فلم أستبشر خيراً، والحديث هنا عن نفسي، ثم شاركتني الزوج الحنون، رغم ضجيج البنت الصغيرة ونشاطها، وفرح أخته، وعدم تذمر زوجته بعد، ظل يناظر لنا بعين فيها بعض الشر والشرر، فاعتقدنا أنه كان يغار من ضحكنا وتهامسنا وشهيتنا المفتوحة للأكل، أو ربما كان يشعر ببعض التوعك، والتقلصات في الأمعاء الغليظة، فاحترنا فيه، وفي سوء طبعه، وتعكير حاله، وحال مرافقيه، وربما ينقل مزاجه إلى طاولتنا، ويقلب حالنا، رغم أنه ما يخصنا فيه أصلاً. إذا كان لا يعرف أننا مواطنون، بس متنكرين، فهذا.. ما يخصنا بصراحة! إذا ظل يكح طوال الوقت والجو لا يناسب صدره، فهذا.. ما يخصنا بعد! إذا كان يغير من الشعر الطويل، وهو من أعضاء نادي «كوجاك» فهذا.. ما يخصنا! إذا كان الذي يشربه محمّض، ويغثي النفس، فهذا بعد.. ما يخصنا! إذا ما كان ما يحب البرّ والمزيون، فهذا.. ما يخصنا! إذا كانت بطاقته الائتمانية ما تشتغل، فلا يلومنا لأن هذا.. ما يخصنا! إذا لم يكن نائماً لساعات طويلة مساء الأمس، وقاسى كثيراً حتى الفجر، ونحن عيوننا منتفخة من أثر النوم، وشبعنا كسلاً، فهذا.. ما يخصنا! يمكن يقول هو كفاية، ونحن يمكن نقول: ما يخصنا! إذا شعر بحموضة حارقة في المعدة، وليس معه «مالوكس» فهذا.. ما يخصنا! إذا زوجته مش حلوة، وأنت ربك رازقك بواحدة مثل القمر، فهذا.. ما يخصنا! إذا أسقطوا الملاعق أكثر من مرة، وكسروا كأساً، ولمح تضايق مدير المطعم، وتغامز العاملين، فهذا.. ما يخصنا!