لا أستطيع أن أكتم ضحكتي، أو على الأقل ابتسامتي حين أرى شخصاً يتعارك مع سيكاره الذي هو أطول من أصابعه، ويملأ به فمه، أو حين يرتبك أين يضعه، وكيف يشعله إن انطفأ؟ أو ماذا يفعل به حين يعجز عن تكملته حتى نهايته؟ لا أستطيع أن أحبس الضحكة حين أرى بعض الناس ممن لا يصلح لهم السيكار، وابتلوا به، أو هو ابتلي بهم بشكل أدق، وهم يسلّون سيكارهم من غمده، أو يقلبونه بين أصابعهم استعداداً لتمضية ساعتين مع دخانه المجرب، ولأن السيكار شيء محترم، فهو يضفي على المرء بعض الهيبة والأبهة، ونوعاً من الاحترام والثقة، لذا يستغله الآخرون لتحقيق مآربهم، وتمرير صفقاتهم الوهمية، أو الضحك على الذقون، فدخان السيكار كثيراً ما يحجب حقيقة هؤلاء الناس، وطريقة تفكيرهم غير السوي، لذا كثيراً ما يرتبط السيكار بالنصب، بل أصبح من أهم عدته وعتاده، ولقد حضرت الكثير من المؤتمرات السياسية والثقافية والإعلامية، ورأيت الكثيرين ممن جعلوني اختض من الضحك حتى تئن خاصرتي، حينما كنت أراقبهم بعين صامتة ومتدارية، تلك التي يمكن أن نسميها العين الثالثة، والعجب من فئة المثقفين والإعلاميين والكتّاب المحسوبين قديماً على الطبقة الكادحة والذين كانت تأتيهم مؤن السيكار من كوبا مباشرة، أو عبر الاتحاد السوفييتي، وتجدهم يتحيدون بـ «كم من صلب» للمؤتمر المقبل، أو فجأة تخلص مؤونتهم ولا في الجيب دراهم تكفي حتى علبة سيجارة محلية أم نشارة خشب، أو علبة «بيري» الهندية الصغيرة، أما في المؤتمرات الاقتصادية، فعليك أن تكون عارفاً مميزاً بين أنواع السيكار الفاخر، وعليك أن تكون ملغماً بكم حزام ديناميت لكي تهديه قبل اللعب على الطاولة وتحت الطاولة• السيكار له وقته، وأناسه، وطقوسه، ومتذوقوه أولئك الذين يعرفون أصغر التفاصيل عنه، وعن دوله المصنعة، عن ثلاجات حفظه في أي المطارات، يعرفون الكوهيبا الأصلي من الدومينكاني، ويعرفون أختامه الأصلية، وبعضهم يتفلسفون عليك حتى يقول لك إنه يميز السيكار الذي جُلِد على فخذ فتاة بكر أم فتاة ثيب، وكله خريط في خريط! السيكار ارتبط بسياسيين تاريخيين مثل تشرشل الذي مات بسبب غير السيكار، وكذلك جيفارا الذي كان يعاني من الربو ولم يفارق فمه، ومات بغيره، وكاسترو الذي لغمت أميركا سيكاره مرة، ولم يمت به، لكن الأطباء منعوه منه أخيراً، وعلى الرغم من الحظر الأميركي على كوبا منذ قرابة الأربعين عاماً، ويزيد، إلا أن السيكار الكوبي متوافر في أميركا بطرق شرعية وغير شرعية، والكثير من الرؤساء الأميركيين يتفاخرون بحمل السيكار الكوهيبي في المناسبات الاجتماعية، ولعل سيكار كلينتون الأكثر شهرة من بين سيكار كل الرؤساء! مرفق مع عمود اليوم «كاتلوج» لبعض القراء الذين هم مشرّقون وأنت مغرّب، ونقول «علشانهم»: التدخين مضر بالصحة، نرجوك الامتناع عنه، والتأكيد على التحذير الحكومي على مضار التدخين، وأنا هنا لا أدعو إلى التدخين، وأنا غير مدخن أصلاً، وأكره السيجارة، وأتحفظ على السيكار، خاصة ذلك الذي يشبه نصاباً إيطالياً قصيراً، وأطرب لرائحة الغليون الفاخر، وهناك قولان في الأرجيلة!