الكلمات تغالبنا الكلمات. تضجرنا... ومن شدة تكرارها تصبح كلاشيء... فنبحث عن كلمات أخرى نغالب فيها الموت الذي هو التكرار. - ما العمل؟ ما الحل؟ - لعلها العودة الى «دا دا» الكلمات.. الى المومأة. والمومأة ركاكة ضد الفصاحة. وهي تعود الى مرحلة ما قبل اللغة، بل الى ما يسبق اللغة: الغناء. فالإنسان على ما نرجح، مومأ، ثم غنّى، ثم رَطَنَ.. ثم تكلم، ثم تفقّه في الكلام... ثم سار هذا الفقه في قنواته، وابتعد عن أصله، ونسيه أو كاد ينساه. فدلالات اللغة كنظام يتسع وينتشر، تقطع (بحسب الألسنيين المُحدثين) مع ذاكرة الكلام، مع التاريخ وتستقل بذاتها... وليس ذلك بالضرورة، صحيحاً، فاللغة مهما ابتعدت في دلالاتها واستقّلت، تبقى ذاكرتها جزءً من هذه الدلالات، ليس في الإمكان بترها أو استئصالها بلا أذى حقيقي يلحق بحياة اللغة وباللغة كحياة. لكن، في هذا الزخم المستعلي من النظر في اللغة، في فقهها، ألا يبقى الشاعر بشطحه وهذيانه، ومومأته الطفلية، أقدر من سيبويه والكسّائي والعلايلي على ترويض اللغة؟ *** لا منزل.. لا مفتاح قال الأول للثاني: تعلمت من الأيام حكمة، هي أن لا أسلم مفتاح بيتي لأحد. قال الثاني: أما أنا فقد تعلمت من الأيام حكمة أخرى هي أن لا يكون لي منزل ولا مفتاح. *** هكذا دائماً، بيني وبين البر بحر، مراكب ورياح،، ملفعاً بالأرجوان والخرز الملون، أجلس على أخشاب مركبي، العالية أطوف البحار، ثم أضيع في الهواء كأفكار بلا مأوى. ومثلما تلفظ البيضة الكلسية طائر الرخّ الى الفضاء، يلفظني البحر الى البر، والبر الى البحر. وكشعب هائم، أسلمتُ من قديم الزمان، مفاتيح بيتي للريح، وقلت لعابر السبيل: تعال خذ.. هذه لك.. ثم أطلقت هذه الأغنية في الهواء: «ما أسعدنا لا منزل ولا مفتاح للطيور أجنحة ولنا أفكار للغجري قدماه وناره وحماره ولنا أخشاب تنتظر على الشاطئ مراكب وصواري وأشرعة كثيرة وبعد عشرة آلاف عام من التطواف بلا غاية سنعود حتماً على متن مراكبنا الى سواحلنا الحبيبة لننتظر في العنابر مراكب أخرى تعيدنا الى البحار»