للتو وصلت المدينة التي تحيطها الأشجار الكثيرة وجوز الهند العالية. في قارب قطعت رحلة طويلة عبر النهر الذي ينساب خلال مدينة بانكوك، مخترقاً الأحياء الشعبية الخشبية التي ترتفع عن الماء على أعمدة كثيرة، وكأن القاطنين فيها ينامون فوق أوتاد خشبية تحمل منازلهم أو أكواخهم المتراصة. عبر النهر المتعرج والمياه التي يختلط فيها الطين بالأخشاب والمواد الطافئة الكثيرة، من أغصان الأشجار والأزهار وثمار جوز الهند والقوارب الصغيرة. الحياة النهرية هنا عجيبة، تطوف بك وأنت تتبع النهر الطويل لمدة تزيد على الساعة والنصف وأنت في فرح ومسرور بحياة الماء. مرت ثلاثة تماسيح صغيرة تسبح عبر النهر، وأشجار كثيرة تحمل أصناف الثمار من المانجو إلى الفواكه الشرقية العجيبة، حالات كثيرة ومتغيرات جاءت خلال هذه الرحلة أمطار ورياح ونسمات جميلة، وأيضاً روائح عجيبة، وباعة في قوارب نهرية صغيرة يعرضون أصنافا كثيرة من الفواكه وسلعا أخرى وكأنها دكاكين على سطح الماء. عندما يشتد المطر يختفي الجميع والزوارق تحت الجسور أو المظلات الخاصة أو خيام البلاستيك التي يحملها هؤلاء النهريون، أنها حياة متغيرة وجاهزة للتبدل في كل ظرف جديد. الماء.. الماء هو الحياة، هو الأمل والوجود، هكذا يفهم الشرقي محيطه وظروفه، لا يهتم كثيراً بالسحب السوداء المتراكمة في السماء ولا لانهمار المطر ولا لعصف الرياح؛ بينما الصحراوي منّا تنتابه الظنون والأفكار الكثيرة عن قصف الرعود وارتفاع تدفق المياه المدمرة التي يشاهدها عبر التلفاز والبرامج المصنعة لحياة الماء في الشرق وكوارثها. هنا تناغم أبدي بين الحياة اليومية والمتغيرات الكثيرة، أشار قائد القارب وقال وهو يبتسم لا تخف من المطر أو الرياح أو التماسيح الصغيرة العابرة، إنها صديقة الإنسان هنا! بعد أن وصل القارب إلى المحطة الأخيرة، حمدت الله على سلامة الوصول وتمسكت بالأرض الصلبة وعزمت بعد هذه الرحلة أن أنقطع قليلاً عن مغامرة عبور النهر.