قال لي أحد الأصدقاء، إنه صادف عجيبة من عجائب الدهر، فبينما كان هو يستعد لإيقاف محرك سيارته أمام واجهة أحد المحال التجارية، وقفت أمامه سيدة في العقد الستين من العمر تقريباً، ورفعت يديها ضارعة، خاشعة، متوسلة، تطالبه بالعون على قهر الزمان، وقلة الحيلة، وضعف الحال، وقد أمطرته بالدعاء، والنداء حتى دس يده في جيبه وأخرج لها المبلغ المستطاع وما أن وقع المبلغ المكتوب بين يديها أرسلت تنهيدة من صدرها الخافق، وقالت ألا تستطيع أن تزيد هذا المبلغ فإنه لا يكفي لحاجتي. فقال الصديق للسيدة. هذا ما لديّ، ولا أملك الأكثر . تراجعت السيدة إلى الوراء، ولفّت عباءتها على جسدها، مدبرة، وبعد حين يقول الصديق كانت المفاجأة. لقد التفت إلى السيدة، فإذا بها تستقل سيارة مرسيدس، برقم ثلاثي، يقودها سائق بالغترة والعقال، ثم تختفي. يقول الصديق لقد صدمت، وشعرت أنني وقعت في فخ وأن السيدة العجوز لم تكن سوى من أولئك الذين ينصبون الفخاخ مستخدمين أساليب يعجز عن حبكها أعظم العباقرة. والصديق المسكين يندم على تلك الدراهم التي سُلبت منه غدراً، ومكراً، ويقول ليتني أبقيتها في جيبي، وذهبت بها إلى أقرب مطعم واشتريت الهمبرجر الذي أحب.. لكان أبرك وأنفع من يد تلك السيدة العجفاء، الرجفاء، التي استطاعت أن ترتدي لباس الضعف وتحتال عليَّ، كما أنها احتالت على غيري، وهذا أمر أكيد. نعم لن يكون هذا الصديق الضحية الوحيدة التي تقع فريسة الاحتيال وسلب حقوق الناس بالحيلة، والدهاء، والإدعاء بل إن الضحايا كثر، والفرائس الذين يقعون تحت طائلة هذه النماذج البشرية التي اتخذت من التسول وسيلة ناجحة للإثراء دون وجه حق، ودون تعب أو عناء، أو قطرة عرق. بعضهم يتخذ من القول «من له حيلة فليحتال» أسلوباً ناجحاً، في ملء جيوبه، ولا يتورع في أن ينهج مختلف الوسائل والذرائع في سبيل أن يحظى ما يريد وأن يعود إلى بيته في آخر النهار، وهو قد جمع من الغنائم ما يجعله مرتاح البال في غياب الضمير، والوازع الأخلاقي والديني. المتسولون يرتكبون خطيئتين.. الأولى أنهم يضحكون على ذقون الأبرياء والأنقياء.. والثانية أنهم يأخذون حقاً من حقوق آخرين، في أمس الحاجة إلى الصدقة، والمعونة لذلك فمن الواجب أن يتم التصدي لهم من قبل العامة من الناس، وكذلك الجهات الرسمية المخولة، وفي مقدمتها وزارة الداخلية، كبح جماح هذه الظاهرة المسيئة لصورة المجتمع، والمشوهة للأخلاق الاجتماعية. فلابد من الوقوف بحزم وصرامة تجاه من يحتالون ويختالون، ويتسولون، ويتسللون، ويتوسلون، فيهربون الواقع الاجتماعي إلى مناح بعيدة، ويحيدون به تجاه الأخطار الاجتماعية، والأمراض، والأعراض، والأغراض التي يجب ألا تنشأ في مجتمع الإمارات، الذي شب على النقاء والصفاء، والتعاون والمساعدة بصورها المعهودة والمحمودة، يجب أن نتحمل جميعاً مسؤولية تنظيف مجتمعنا من هذه الظواهر وتجنيبه عللها، وزللها، وخللها. ويجب أن نفوت الفرص على الذين يريدون أن يجعلوا من التسول، وسيلة للثراء دون بذل الجهد. يجب أن نكبح جماح هذه الفئة حتى لا تصبح عائقاً أمام من هم أحوج إلى المساعدة والمعاضدة.