السيدة أصيلة العديني تجسيد ملموس لاتحاد اليمن، فلأسرتها الممتدة جذور تعمقت وأغصان تشابكت من الشحر إلى ابين وهي بلا تردد أو شك امرأة بديعة الجمال وقورة لها ابتسامة تكسر حصون اليأس لتفرض السلام. علمتها ظروف المكان و الزمان أن تكون في تفاوض دائم مع اليقين والمستحيل وتدفع بذلك يومها ليصبح منفرج الأسارير ويمسي مكرسا لما تحتويه تفاصيل البيوت من نسيج و شجن. وفي كل مرة أجالسها تسقط في أذني كلمات أجهل معناها وأسعى لفهمها في حضرتها أو عند انحيازي مع من يقلها سناً و شأنا. وفي لقاء لنا قالت: قتلني الضبح؟ وعرفت أنها تتحدث عن الكلل وإخوته ضجر و ملل و طلبت مني أن «ألصي» الضوء وأيقنت أنها تفضل الإضاءة المستعارة على الدامس من ظلام غرفتها ثم تحدثنا عن «السليط» الذي كنت أتصوره مختصا بالسمسم حتى قالت مصححة انه ينطبق على الزيوت كلها. وفي سياق كل حديث دار بيننا تستخدم (أم علي) عباراتها الخاصة وكأن لها مملكة لغوية تبدع فيها وتضيف إليها ما تشاء كأسئلتها و هتافاتها الرسمية و المتعلقة حصرا بابنتها عبير فتقول مثلا»كلمنك عبير؟» أو «عبير رجعن؟» أو «عبير قالن؟» ولا تفاجئني عبارة ترددها دوما «الله لا غيب عبير» و «فقدت لعبير كثير» و «آني فدى لقلب عبير». وسرحت بي الذكريات لزمن غابر تداولنا فيه نعوت تقلص توضيفها فكنا صغار ننادى ب»المذارج» و يقال لغير المهذب منا «زلع» أو «ماصخ» أو «طفس» وقد ينعت قليل السيطرة على قبضة يده ب «الوخل» بينما يكون المتألق و المتمدن بملابسة «زجرت» أما المتمادي في تيهه فهو «الزامط» و الـ»كروبي» تقال لقديم الطراز و الذي يلبس «عنجاش» و هي الأشياء الخالية من التناسق و التناغم و الانسجام أو يلبس»خراوشين» وهي تلك الكراكيب التي لاتحلي بل تشين و «المعصقل» هو الهزيل و صاحب «الأصيام» السيقان الدقيقة من نحافتها و على عكسه يكون «الطرمبة» أي البدين و يدعي «اللغب» من كان كثيرا للغو و «المصرقع» من كان قليل الاتزان و الحكمة و «الخريش» هو صاحب السلوك الغير متوقع لضحالة فهمه للواقع و»الزطي» هو المشلولة يديه بخلا و «الرغيب» شخصا عديم القناعة والذي لاتملاء عينة «الطشه» أي القليل ويقول المثل البليغ عمقا وشمولية «الرغيب عطوه مصر ماسدته». وعندما عدت الى الواقع عادت أصيلة من صالون للتجميل انفرد بمهام رئيسية في حياتها من تضييع الوقت واستنزاف المال وانتهاك طلتها البهية، قبلت محياها وهمست في إذني “I love you, too much” فتردد صدى الحقيقة التي تؤكد تزعزع لهجتنا وتهدد كل كيان بما في ذلك عرش أصيلة ومملكتها وتشير إلى تدهور يسوق إلى الفناء والغرق جهلاً فهجرة مفاهيم اللغة واستخداماتها لايفسح مجالا للاستغراب من كلمة «أشيئآت» التي يرددها مذيعون شبان لهم حضور أمام عدسات التصوير وهم فاقدون لمعايير أساسية تؤكد تمكنهم من اللغة. bilkhair@hotmail.com