ربت في مطبخ الأستاذ شوقي تلك القطة الرمادية اللون التي تتمحك بجدران غرفته، وتتفقده إن غاب طويلاً. بدأت تسمن ببطء، رغم أن فضلات الأكل التي يخلفها الاستاذ شوقي عادة قليلة، إلا أن القطة ألفته، وأصبحت فيما بعد جزءاً من غرفته المتقاربة الجدران، في حين بدأت تدرك اسمها الذي أطلقه عليها، منذ مدة! كانت «بوسي» ترقد في المطبخ أو عند باب الغرفة، أما حين يستبطئها فيعرف أنها ستنام بجانب خزان المياه، خاصة في شهر شباط، حيث لا يتوقف مواؤها، ولا مقافزتها. وذات مرة.. جلسنا نلعب أمام غرفة الأستاذ شوقي، ونلاعب القطة معنا، فقام راشد ولد سالم العماني وقال: «لا تلعبوا مع السنانير، ترا القطاوة تنقلب إلى عجائز ساحرات بالليل، تطير من مكان إلى مكان.. القطة صاها حرمة من الجن..»! جفلت عين الأستاذ شوقي، وربما صار لعابه مراً ذاك الحين، وغدا صبياً في عمرنا، كثير السؤال، وكثير الشرود. بعدها.. كان ولد سالم العماني يخبرنا أن الأستاذ شوقي حين يستفرد به، كان يسأله كثيراً عن مدى صدق قصصه، وكيف سمعها؟ وممن؟ وحين يخبره أن مصدرها أبوه، كان يرد عليه: «وأبوك دا بيصلي.. بيعرف ربنا..»؟ ازدادت ساعات تدريب الأستاذ شوقي، بدأ يزيد من وزن أقراص الحديد، وترك عنه معلبات التونة، وأقبل على اللحم، ظل جُل وقته يقضيه في غرف الطلبة، لكن ضحكته غدت فاترة، وبالكاد تخرج من رقبته العريضة، كان لا يغادرنا إلى غرفته، إلا إذا احمرت عيناه، وبدأ الطلبة يهذون بشقاوات اليوم. كان نومه متقطعاً، و«بوسي» التي كان يدللها، أصبح ينظر إليها كنظرته إلى راشد ولد سالم العماني، مزيج من الحب والتحفز، الخوف غير المعلن، والشك الذي يزيده ظلام الليل! بدأ الأستاذ شوقي بنوم شبه يقظ، تسلل إليه مع الحلم جسد أملس، مشحم، رطب، كساعد أنثى بض يرتج.. شاركه دفء الفراش، ونعومة الملمس، دنا على صدره، جال جسده، مشط ذراعه.. وفي لحظة هي بين الحلم والكابوس.. اليقظة والإدراك، نوى الاستاذ شوفي بطول يده، أرسل أنة ارتطمت بالجدار، وسقطت أسفله، ثم غابت مع الظلمة وجثو النوم! في الصباح الباكر.. استيقظ الأستاذ شوقي كعادته، تحزم بالملابس الرياضية، وهمَّ بالخروج، عند عتبة الباب من الداخل، وجد قطة رمادية اللون نازعت كثيراً بالأمس، وجد لطخة دم متخثرة على الجدار، وجد «بوسي» جسداً منتفخاً وعيوناً شاخصة! في ذاك الصباح الباكر نفسه، وبكم من الخوف أرعد الجسد المصارع، ويبّس أطرافه، كان قرار الأستاذ شوقي عبدالحميد بمغادرتنا.. ومغادرة المكان!