أصبحت الديمقراطية، لعبة سياسية أكثر منها استحقاقاً لمطالب الشعوب، ونهضة أوطان، وتحرير مشاعر، وتخليص الإنسان من ربقة الكبت والاحتقان.. أصبحت الديمقراطية كالماء المنساب على أرض رملية يجيرها من يريد حسبما تستهويه أفكاره ومعتقداته ومناهجه الأيديولوجية. الديمقراطية التي لا تحقق آمال الإنسان في العيش كريماً وحراً لا تنقصه لقمة عيش، ولا يكدر حياته خوف من بطش، فهي لا تعني شيئاً، ولا تصبح شيئاً غير أنها حيل بصرية، واحتيال على مشاعر الإنسان وسرقة متعمدة، وقتل مع سبق الإصرار والترصد، لكل ما يصبو إليه الإنسان ويتمناه ويرجو أن يكون.. الديمقراطية التي تصير فتحاً للجروح، وفتقاً للقروح، وضرباً بالهراوات على الرؤوس هي أقرب إلى «الديمقراطية» التي لا تفيد، ولا تعيد، بل تزيد من ضحالة العلاقة بين من يطرحها ومن يتلقاها، هي أشبه بالحمل الكاذب في حياة أنثى مراهقة تتمنى أن تحقق أنوثتها بالإنجاب، ولا تستطيع لأنها غير مؤهلة ولا مهيأة بيولوجياً.. الديمقراطية عندما تصبح صراخاً، وعويلاً، وتهويلاً، وجعجعة من غير طحين الحرية، هي ديمقراطية الأقوياء، والأفاقين، والمتاجرين بالقيم والمبادئ على حساب الأوطان والشعوب.. الديمقراطية عندما تصبح ضجيجاً وعجيجاً من غير أن تحقق أدنى حق للإنسان في أن يلقى التعليم الحقيقي والصحة وحياة العيش الكريم هي ديمقراطية الخواء، والعواء في العراء.. نشهد ونسمع عن انتخابات وطروحات في الديمقراطية لدول كثيرة، دول تجاوزت نسبة الأمية فيها عن 60% وملايين البشر يعيشون تحت خط الفقر، والأمراض الفتاكة تعيث وتفتك بمجتمعاتها في الوقت الذي يصرح، ويصدح ناخبوها ويبشرون بفجر النقاء، والصفاء، والرخاء، ولا شيء من ذلك يحدث غير مزيد من البؤس، والشقاء، والعناء، وتعب الذين لا يجدون من قوت غير شعارات صفراء، بلهاء، خاوية من المعنى والمضمون.. الديمقراطية التي تصبح غاية للانتشار السريع للناخبين والمنتخبين هي ديمقراطية الحيل الدفاعية وأدوات العقل المهرج عندما يريد أن يمارس لعبة القفز على الحبال.. الديمقراطية عندما لا تصبح وسيلة ناجحة لتحقيق الأمن والأمان للإنسان وترسيخ جذور الصدق بين الحاكم والمحكوم هي ديمقراطية ممسوخة، مشروخة لا تسمن ولا تغني من جوع.. في أكثر الدول المتخلفة نسمع عن انتخابات وكذلك عن اضطرابات واحتراب وصخب ودماء، وحناجر تبح أصواتها، والنتيجة سراب في خراب، في ضباب، في يباب، ويبقى الإنسان البسيط وحده الذي يدفع ثمن لعبة الكراسي، وأعمال السحر وفانتازيا الشعارات ولافتات التبجيل لهذا، والتطبيل لذاك، ولا جدوى إلا سريان البلوى، وموت الحقيقة ولفها في كفن الكذبة الكبرى.. الديمقراطية لا تنبت إلا تربة الفرد الخصبة، الفرد المتصالح مع نفسه، المتحرر من عقده، المتخلص من قيوده النفسية، المتعافي من أدران الانتماء إلى أشخاص المنتمي إلى وطنه وحقوقه الشرعية