انتظر العرب على أحر من الجمر، ما سيسفر عنه خطاب بنيامين نتنياهو فعلقوا، وحلقوا، وغربوا، وشرقوا على أمل أن يقول شيئاً لم يقله من قبل، حفظاً لماء الوجه وذراً للرماد في العيون.. وانتظار العرب لهذا الخطاب يثير الدهشة والاستغراب وكأنهم نسوا التاريخ وطووا صفحاته لهذا الكائن البشري المنغمس بدماء الفلسطينيين حتى أذنيه التي ما عادت تستمع إلى أي صوت أو حتى همس.. العرب يعيشون خدعة بصرية، ويعلقون وينشرون غسيلهم على حبال إسرائيل معتقدين أن المشكلة تكمن في هذا الكيان المشبوه، في الوقت الذي تبرهن فيه الوقائع أن المعضلة الكبرى تكمن في مكان آخر، وتسكن وتستقر في قلوب أهل القضية.. فإذا كان الفلسطينيون عاجزين حتى الآن عن الاقتراب من بعضهم والفصائل صارت دولاً، والتنظيمات أصبحت بشعاراتها أوسع من القارات الخمس.. ولا يزال الأخوة الأعداء في حال المد والجزر غير قادرين على تحديد أدنى حد في القاسم المشترك فيما بينهم لمواجهة العدو المشترك.. ما زال الأشقاء في حالة حرب نارية أقسى وأعتى في شراستها من مواجهتهم لإسرائيل.. فعندما يتبجح نتنياهو ويقتلع القضية من جذورها ويقدم للعرب هيكلاً عظمياً نخراً فإنه يعرف مع من يتعامل، ويعرف تماماً مدى الضعف العربي، ووهنه وعهنه، ويعرف هذا الصهيوني أن العالم لا يلتفت إلا إلى ضربات الأخف الثقيلة، والعرب، خاصة الفلسطينيين نسوا أخفهم في ساحات المعارك فيما بينهم ولم يعد ما يملكونه لإسماع إسرائيل والعالم عن صوتهم وقضيتهم.. نتنياهو صرح وتبجح لأنه يعرف مدى قوته ومقدار ضعف العرب. الفلسطينيون لا يزال بعضهم يصف بعضهم بالخيانة وبيع القضية، وبعضهم يصف بعضهم بالعنف وأحياناً بالإرهاب وإلى الآن لم يتفقوا على قاموس لغوي يحدد لهم من هم جميعاً.. مصيبتنا وداؤنا في أنفسنا، مشكلتنا نحن الذين نخلقها ونجيد صناعتها دون العالمين، ونخترع لها أشكالاً وألواناً لتصبح قاتمة ومنتعشة ومتغشية وغاشية لا يستطيع أي كائن كان أن يحل عقدها لا رئيس المخابرات في مصر، ولا حتى رئيس مخابرات في الكواكب الأخرى.. إن وجد.. ومهما بلغ أوباما من تسامٍ وغيره من سياسي العالم وعباقرته إلا أن الثابت من القول والفعل أن الحقوق لا تهدى على أطباق من ذهب، بل تنتزع والفلسطينيون غُلت أيديهم منذ أن فكروا في لعبة الكراسي ومنذ أن هيضوا جناح القضية تحت ظلال السيوف والتناحر، وتحويل قضية الخلاف فيما بينهم إلى خلاف دولي يحتاج إلى تدخل الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن ليحل عقد ذات البين ويجلس الواقفين إلى طاولة مفاوضات تجمع المنشقين مع المختلفين، وقد يحتاج مجلس الأمن إلى قرار يدعو إلى وضع قوات دولية تفصل بين الفصيلين، وقد تخرج فصائل أخرى تحتاج إلى قوات دولية إضافية. هذه هي قراراتنا، وهذه هي قسوة حالنا التي أوصلتنا إلى بؤس يقود إلى يأس، ويأس يفضي إلى فأل نحس، لا ينذر ببصيص نور طالما بقي المتعنت نتنياهو يرقص على أوتار الميجانا العربية.. سنظل هكذا يائسين، بائسين، منحوسين، منكوسين، إلى أن يصحو الأشقاء ويفكروا في فلسطين فقط..