يجلب لك سائقك مجموعة رسائل من صندوق بريدك، ومعها ورقة كرتونية بلون الزهر، اللي يفك القهر، مكتوب عليها رسالة مسجلة، فتقول للسائق: لا شيء مستعجل حين تذهب بعد يومين أحضرها من البريد، فيأتيك اتصال، مؤكداً برسالة هاتفية، يفيد أن صكاً مصرفياً مرسل لك في رسالة مسجلة ومضمونة، فيفرح قلبك ذاك النهار، وتتراقص أمام جفنيك أرقام ضبابية، فتستعجل السائق أن يذهب إلى البريد في الحال، ليجلب الرسالة المسجلة لأنها مهمة، وتخبئ عنه أنها ملغومة بشيك بنكي، يذهب السائق، فيتصل بك من البريد قائلاً: إنهم رفضوا تسليمه الرسالة، فتشعر بأهميتها، وتكاد تثني على حرص البريد على توصيلها ليد صاحبها، فتتصل بالبريد، وبعد أن تحادث ثلاثة أشخاص دونما ملل أو كلل، غير عاملة البدالة، حتى تجد ضالتك، فيطلب منك إرسال رسالة موقعة منك، بعدم ممانعة أن يتسلم السائق الرسالة المسجلة، وأن ترفق معه صورة من جواز سفرك، ويبقى السائق ذلك اليوم مرسال المراسيل. الزوج المصون تستخبر بطريقتها أن موعد جني الرطب قد حان، وأن النغال قد بَشّر، وأن الشركات المساهمة توزع أرباحها، ويظهر ذلك جلياً من توددها، وخفة حركتها إن طلبت منها فنجان قهوة أو كأس ماء، تظل تتصل بأمك، وتتنشد عن أخبارها في الصبح والرايح، ولا تحاول أن تكدر عليك صفواً أو تجلب لك خبراً مزعجاً، تدخن كندورتك، ومن تدخن الحرمة كندورة رجلها، تيقن أن جيوبها ستفرّغ بعد قليل، حتى رشّود يوم يتبادى ما يحبك إلا على رأسك، قال شوف الأدب، أو أنه خريج مدارس «لي فرير». ما أن تلمح تلك التغيرات المفاجئة، فأدرك أن هناك مؤامرة تحال لك في الخفاء، يديرها الابن غير الفالح مع أمه شجرة الدر، وأن شيك الرسالة المسجلة راح نصفه، والسائق المرتبك على الدوام - الله لا يهضله- بعده ما وصل من البريد. تسر للزوجة وابنها ما داموا قد كشفوا لعبة الصك الآتي من الشركة المساهمة، وتجتمعوا في محاولة التخطيط لسفر سريع إلى تركيا، وبعض ما تبقى من مال ستودعه في حساب الصغيرة، أما عبود فخلي الدائرة الحمراء تنفعه هذه السنة، وأحمدوه اليعري يسده السيارة الجديدة اللي خربها وكسرها، هذه السنة كله حق هـ»الزعفورة الصغيرونه». تجتمع الأسرة المصونة على وليمة الصك السنوي، والسائق حين يصل ظافراً بالرسالة المسجلة، وكأنه أنجز شيئاً مهماً سيكافئه عليه الأرباب لا محالة، ولو بعد حين، تفتح الرسالة على عجل، ويلحظ الأبناء ربكة الأصابع، وارتجافة اليد، وتلك اللمعة التي في العين، والتي بلا شك تزيدها النقود توهجاً أكثر، تفتح ثلاثة أظرف حتى تلمس يداك الشيك، وتستقر العين أول ما تستقر على الأرقام التي تلعب وحدها في المستطيل، فتبصر رقم 15 فتستكثر الـ 15 مليونا، فتحاول أن تتنازل بسرعة إلى مليون ونصف، ثم إلى مائة وخمسين، وأخيراً إلى 15 ألفا، كل تلك الحسبة السريعة كانت تمر أمام حدقة العين بشكل الماسح الحراري، ولا تستقر، ثم لا تصدق، تحاول أن تدقق أكثر من مرة، وتناظر مرة للزوجة، ومرة للأولاد، تتأكد من اسم المستفيد، كل الأمور في الصك صحيحة، ما عدا الرقم 15 غير المقنع، لأنه ظهر 15 فلساً، كل هذه الركضة على 15 فلساً، اتصالات، ورسائل نصيّة، ورسالة مسجلة، وأظرف غالية ممهورة، ومفاتن على»الدريول» اللي يسير 3 مرات للبريد ويرجع، وصورة جواز، ورسالة مذيلة بتوقيع، ومهاتفة عمال البريد، وآمال بحساب توفير لأجيال المستقبل، والشيك المطبوع بعناية فائقة، والحبر الذي سال من توقيع رئيس مجلس الإدارة، وآخر لا نعرف وظيفته بالضبط، وكله على 15 فلساً أحمر.. بشارة الصيف أحشفة!