يستعيد الشعر العربي الحديث والمعاصر، حيويته التي كانت له ذات يوم، ثم افتقدها، ويحضر على الساحة الإبداعية كمحور من محاور النقاش، وكمعطى إبداعي حيوي ومتطور. من ذلك على سبيل المثال، ما يعقد من ندوات بحثية ونقدية حول الشعر، من جهة وما يقام من أمسيات ومهرجانات شعرية، من جهة ثانية. وفي أي نشاط من هذه الأنشطة الأدبية علامة عافية، لولا بعض الهنات الهيّنات. وقد حضرنا في شهر واحد، على سبيل المثال، وعلى التوالي، الندوة التي أقامتها مجلة «العربي» في الكويت تحت عنوان «الإبداع العربي المعاصر، تجارب جديدة، رؤى متجددة» وذلك من 2 إلى 4 آذار مارس 2009، وساهمنا فيها ببحث حول الأصوات الجديدة والصراع الأسلوبي في القصيدة الحديثة، كما حضرنا «ملتقى القاهرة الدولي الثاني للشعر العربي»، المشهد الشعري الآتي، الذي عقد ما بين 15 و18 آذار مارس 2009، وساهمنا فيه بقراءات شعرية متعددة. والحال هو أنه ما يربط بين هذين الملتقيين، قلق صارخ حول قصيدة النثر العربية، حالها ومآلها، وهل هي مشكلة أن حلّ، وهل هي تطور شعري مستقبلي أم نكسة شعريّة إلى الوراء. فقد شعر من يكتبون هذه القصيدة في القاهرة، أنهم مهمّشون ومقصون في الملتقى الدولي الثاني للشعر العربي، الذي اعتبروه «رسمياً» بالمعنى السلطوي السيء للكلمة، ومنحازاً لقصيدة الوزن، فعقدوا في نقابة الصحافة مؤتمراً موازياً لقصيدة النثر وشعرائها.. وعلا بين ضفتي الشعر في القاهرة غبار كثيف، وجرى كلام لا سبيل لاستعادته في هذه العجالة. وكما كان الجدال حامياً في محاضرة الشعر في الكويت، كذلك كان في مصر، ذلك أن هذه القصيدة بالذات (أي قصيدة النثر) تشعر بعقدة اضطهاد وعقدة إقصاء على الرغم من انتشارها الواسع في الصحافة الثقافية، والإصدارات الشعرية.. واستلام الكثير من كتابها، مواقع تنفيذية في وسائل الإعلام. والغبار الكثير المثار طمس نقطتين جوهريتين في هذه المسألة: الأولى هي حق الشعر المطلق في أن يقترح ما يريد للحاضر والمستقبل، من أنماط شعرية، وإيقاعات وتوازنات وأوزان، وأن يشتت من النثر قصيدة، ولِمَ لا؟ سيما أن ثمة مكتبة من قصائد النثر في العالم أجمع، من أوروبا إلى أميركا، فروسيا فالصين فالعالم العربي، تعلو رفوفها حتى تشق عنان الفضاء. فماذا نفعل بهذا الكمّ الهائل من قصائد النثر في العالم؟ هل نحرقه بعود كبريت واحد ونعدمه بشطبة قلم؟ والثانية ظهرت من خلال غلبة الجدال النظري العقيم حول هذه القصيدة، ما جعل المتحاورين، أو المتقاتلين، ينسون الأصل أو يهملونه إلى درجة فادحة، وهو النص الشعري بذاته.. فظهروا وكأنهم يتبارزون في هواءٍ فارغ، وليس على أرض صلبة: أرض القصيدة.