متى يخرج لبنان من نفق الظلام إلى أفق الانسجام؟ ليعيش هذا البلد العربي حراً متحرراً من صهد الزوايا المعتمة، والخبايا المظلمة، ودهاليز السياسات المتوترة المضطربة، التي لم تجر على إنسان لبنان غير الويلات والنكبات والتحسر على الأيام الخوالي والأزمنة المشرقة· لبنان بلد نبيل، أصيل جميل، لا يستحق كل هذا التنكيل السياسي، ولا التكبيل بأصفاد الأزمات المفتعلة، والأفكار المرتجلة التي لا تخدم إلا أعداء لبنان، ولا تضر إلا مصير شعبه· لبنان البلد الحيوي، محور العطاء وجوهر الانتماء العروبي، يحق له أن يعيش خارج سرب المزايدات السياسية والمشاحنات الطافية والاختلالات الحزبية، يحق له أن يتمتع بسيادة وطنية تحفظ وده مع الإنسان الذي يعيش على ترابه، وتحميه من الاحتباسات الحرارية، وتمنع عنه الحرائق المذهبة، التي ما إن تشب في بلد إلا جعلت أرضه يباباً جدباء، وناقة عرجاء، إن خبت تهورت، وإن حُجِّمت تذمرت ودمرت·· يحق للبنان أن يخرج من زوابع الشيطان، وأن ترسو مراكبه على سواحل الأمان، وأن يفك قيد طائرته المخطوفة، ويمتنع الخاطفون عن أسر إرادة بلد جُبل على أن يكون منارة للفكر، وشعلة لسرد حكاية الأمل وابتسامة على شفاه العاشقين المدنفين بحب لبنان وجباله ووديانه وأنهاره وبحاره·· يحق لهذا البلد أن يمارس حقه في الحياة، باعثاً الأمنيات الخضر في قلوب الذين أحبوا لبنان، وسارت أقدامهم على ترابه الطاهر، وامتلأت أحداقهم بسحره وفجره وكبريائه·· يحق للبنان أن يغادر بؤرة الخطر الداهم، والوجه الجاهم، والحب الغائم، وحروب داحس والغبراء، يحق له أن يبادر أهله إلى كسر أنياب الغطرسة السياسية ونبذ الخلافات المصطنعة، وبذل الجهد من أجل لبنان لا من أجل الذوات والباشوات وأصحاب الحواجز والمقامع والصوامع·· يحق للبنان أن ينأى أهله عن حروب الخراب والمعارك الخاسرة، والمنازلات التي لم تدر إلا أمطاراً حمضية، مجّها الإنسان اللبناني وعافها خاطره· يحق لهذا البلد أن يكون لقراره السيادي نكهة وطنية، نابعة من ترابه وسمائه وهضابه·· يحق له أن يتخلى البعض من سياسييه عن نبرة ''أنا ومن بعدي الطوفان''، لأن لبنان لم يخلق إلا لصناعة الحب، كونه من نسق العشاق الذين لا تدهشهم إلا روعته وبراعته في صناعة الجمال·· يحق للبنان أن يحظى بالأهمية القصوى من أبنائه وبخاصة من سياسييه، ويحق له أن يتخلص هؤلاء من التصريحات النارية التي لا ترهب عدواً ولا تفيد صديقاً، ويحق له أن يمضي بقافلة الازدهار إلى غاية الإنسان اللبناني، الذي طالما حلم وتغنى بعبارة ''بحبك يا لبنان''·· يحق للبنان أن يسود أهله وناسه الروحُ من أجل رفعة لبنان والتئام جرحه وإعلاء صرحه ونقائه من شوائب الخذلان والحرمان والانكسار والاندحار· يحق للبنان أن يعلو فوق الخلافات، وأن يترفع على الانشقاقات والتشققات، وأن يسمو على ما علق به من رواسب وخرائب وتجاذبات ما فتئت تقود السفينة اللبنانية إلى شواطئ تموج بالزبد والأمواج الهادرة والغادرة والسافرة عن أنياب البؤس والشقاء· يحق للبنان أن يستعيد ذاكرته من جديد، وأن يستفيد من دروس وعبر أنهكت الزرع وأهلكت الضرع وسادت وأبادت البشر والشجر والحجر· يحق للبنان أن يخرج من هذا النفق، والذي هو من صنيع أبنائه، وما المؤامرات الخارجية إلا نتيجة وليست سبباً·· يحق للبنان أن يتنفس ثقافة وحضارة كعهده ووعده، ويحق له أن يفشل كل الدسائس والوساوس وما فعلته حرب داحس، يحق له أن يسأل عن المستقبل لا عن الماضي·· ومستقبل لبنان بيد أهله لا سواهم·