نحن بحاجة إلى هذا المواطن، وإلى عرقه وحرقة دمه، لأن زمن السلبية ولى واندثر، ولأن المظهر الاجتماعي الذي كان السراج المنير ما عادت أضواؤه اليوم تغري وتسري في الدم كما كان في سابق العهد، نحن بحاجة إلى هذا المواطن لأن طريق الصعود إلى الجبال ما عاد ممهداً وسهلاً، ومن لا يتعب يتعب ويُتعِب سواه، ويعيش أبداً في قاع ومستنقع نحن بحاجة إلى إنسان العصر، والحاضر والراهن الذي يفهم المسؤوليات على أنها بذل وتضحية وتحرر من الاتكالية، وتخلص من الاعتماد على الغير، وتخليص الوطن من الألوان الرمادية، وهو في طريقه إلى المستقبل، نحن بحاجة إلى إنسان يعيش ليعمل، لا يعمل ليعيش، وشتان بين المعنيين، نحن بحاجة إلى هويته، ليس العقال والدشداشة فقط، إنما الرغبة الملحة في الانتماء وتحقيق الذات من خلال عقل متفان وقلب لا يعرف التواني، نحن بحاجة إلى إنسان جديد يخرج إلى العالم بفكر جديد ليقول له أنا ابن الإمارات، أزرع وأحصد وأصنع وأفرد ذراعاً للمستقبل، وأمد بصراً للأفق البعيد، ولا أحيد عن مهمتي كمواطن أنيطت به مسؤولية الحفاظ على الهوية، وأمانة رفع راية الوطن عالياً· نحن بحاجة إلى هذا المواطن، الإنسان الذي يميز نفسه عن الآخرين بعمله وفكره وإبداعه وعطائه من أجل وطن سخر له كافة السبل ليعيش كريماً معززاً أبياً، لا تعوزه حاجة، ولا يكسره مطلب، نحن بحاجة إلى هذا المواطن الإنسان الذي لا يحتقر مهنة ولا يتقزز من حرفة، ولا يتأفف أن يكون في أي ميدان من ميادين العمل، يجد نفسه قادرا على العطاء من خلاله وناجحاً في ممارستها، نحن بحاجة إلى هذا المواطن الإنسان· إن الصغار لا يكبرون إلا بكبر حجم ما يقدمونه من أعمال لأوطانهم وبقدر ما يسحّونه من عرق وجهد· فالتركيبة السكانية التي أصبحت الشغل الشاغل للكبير والصغير لن تحل بأيد سحرية، ولن تأتي كائنات من الفضاء لتفك العقدة، إنها مشكلتنا، وبأيدينا حلها، وبتضافر الجهود وطرح القضية على أنها من فعل إنسان وبيد الإنسان وعقله يمكن حلها والقضاء على المشكلة من جذورها، فالوقت قد حان لنفتح هذا الملف الملغوم، وبجدارة وجسارة نقتحم بلا روية ونخوض ملحمة وجودنا بشفافية وحيوية وبلا تردد ونقول إن المشكلة تكمن في الإنسان المواطن، ولا عيب في الأمر إن اعترفنا بالأخطاء، المهم أن نضع أيدينا على الجرح، وأن نبحث عن الحل، وأول الحلول هو التعليم وما عداه جداول وروافد لهذا النهر الكبير، فإذا أردنا إنساناً جديداً فيجب أن نضع مفهوماً جديداً للتعليم وأن نتخطى عواقب الماضي وأن نتجاوز حدود الممكن لنتطلع إلى ما هو أبعد وأشمل وأعم، المواطنة بحاجة ماسة إلى التعليم الحرفي والمهني، المواطن بحاجة إلى الخروج من شرنقة تعليم الجغرافيا والتاريخ، فالتضاريس واضحة، والتواريخ معدودة، ولكن من يعد لنا عدد الخسائر التي يتكبدها الوطن إثر هذا الاحتباس الحراري الذي تعاني منه التركيبة السكانية، والخلل الفظيع الذي صار يشكل خطراً داهماً على الهوية، وعلى روح الوطن ورائحته· فلنفكر معاً ونسير باتجاه الحل بخطى ثابتة، وألا تأخذنا العزة بالإثم ونقول إن تعليمنا حقق كل المطلوب، وإذا كنا قد حققنا 90% مثلاً، فإن الإمارات تحتاج إلى الرقم 100%·· هذا هو مطلب وحل لعقدة التركيبة السكانية·