توفي يوم الثلاثاء الماضي في سياتل بالولايات المتحدة الأميركية الصيدلاني «روبرت فرشغوت» عن عمر يناهزالـ 92 عاماً، قضاها في أعمال الصيدلة وتركيب الأدوية واختراعاتها، حتى توج بجائزة نوبل للطب عام 1998 باكتشافه الخصائص المساعدة للاسترخاء في غاز أول أكسيد الأزوت أو الأكسيد النيتيري الذي يعد من ملوثات الغلاف الجوي، لكنه يلعب دورا مهماً في عمل القلب والشرايين، وفي تثبيت ضغط الدم، وانتظام الدورة الدموية، وهو في الوقت نفسه غاز يعمل كناقل عصبي. ولد «روبرت فرشغوت» في شارلستون «كارولاينا الجنوبية» في الرابع من يونيو 1916. وكان مولعا بالعلوم الطبيعية منذ صغره، إذ كان يراقب العصافير، ويجمع الأصداف. تخصص في الكيمياء، وتخرج من جامعة كارولاينا الشمالية، ونال شهادة الدكتوراه في الكيمياء الحيوية من جامعة شمال غرب كارولاينا في 1949. درّس في جامعات أميركية عدة منها: جامعة نيويورك، جامعة واشنطن، وكلية الطب في ميامي، جنوب شرق فلوريدا حتى 2004. كان استاذاً فخرياً في جامعة نيويورك الرسمية، وبقي حتى العام 2006 يعيش في بروكلين أحد أحياء نيويورك، قبل أن ينتقل في العام 2008 إلى سياتل. في الخمسينيات اكتشف وسيلة لمراقبة استجابة الأوعية الدموية للأدوية، والناقلات العصبية، والهرمونات، عن طريق وريد أخذ من أرنب تجارب. في العام 1978 اكتشف مادة على الجدار الباطني للأوعية الدموية تسمح لها بالتوسع. وفي العام 1986 اكتشف المادة التي ستذهل العالم فيما بعد، وستخرجه من صمته الأبدي الرهيب. وبعدها بسنوات فاز الباحثون الثلاثة: «فرشغوت» وزميلاه العالمين» لويس انغارو» و»فريد مراد» بجائزة نوبل للطب لعملهم العبقري، ومساعدتهم للإنسانية في لحظات ضعفها وعجزها المدمر. ظل يعمل ويدرّس دون كلل أو ملل حتى أيامه الأخيرة، وأصبح اختراعه اليوم يستعمله أكثر من 35 مليوناً حول العالم، وغدت الشركة التي تبنته من أغنى الشركات في العالم، وأسهمها دائماً في ارتفاع، وتعد الكنيسة هي من أكثر حاملي اسهم هذه الشركة. كانت وفاة هذا الصيدلاني العجوز في صمت، وجنازته سارت عادية، ولم يعرف العالم بخبر موته إلا بعد مرور 5 أيام، ربما لأن العالم مشغول بالاختراع، والاكتشاف لـ«جزيئية سيلدنافيل» أكثر من المخترع نفسه، وهذه هي طبيعة الأمور. بقي أن تعرفوا أن هذا العجوز لم يستطع أن يستعمل اكتشافه، لأنه لم يتدارك به نفسه قبل فوات الآوان، وحين اكتشفه، كان قطار العمر قد مضى، وشارف على خريفه، وكعادة أن طبّاخ السم لا يذوقه أساساً. لكن سيظل الناس يدعون لـ«فرشغوت» في صلواتهم، وأينما كانت قبلتهم، ليس بطول العمر، فقد عمّر طويلاً، ولكن بالراحة والطمأنينة في قبره، وخلود اسمه، لأن «فرشغوت» هذا «أبو الرجال» الحقيقي، وناصرهم على عدوهم الأبدي، ومنقذ سمعتهم غير العطرة «فرشغوت» هذا هو «أبو المسائل» كلها!، أبو الحبة الزرقاء إياها.