حل التركيبة السكانية، معركة وجود وإثبات حق، وتحقيق هدف وطني، لاشيء أنبل منه ولا أولى منه·· هو حق الوطن علينا بأن نصونه ونحمي حياته من الغياب والاكتئاب والاضطراب·· حل التركيبة بيد كل إنسان ينتمي إلى هذا التراب، من بره إلى آخر الهضاب·· حل التركيبة واجب مقدس، ولا ينبغي أن نتعامل معه، كجزء من مهام الحكومة فقط، أما نحن كأفراد ومواطنين في حِل من الحَل، وفي معزل عن المعضلة· هي مشكلة في الأساس تعني الإنسان وهويته ووطنه، لذلك فإن تأكيدنا على التعليم كمحور أساسي في قطع دابر المشكلة مبني على أساس أن الفوضى العارمة في سوق العمل وتدفق الألوان والأجناس بمبرر وبغير مبرر لم يأتيا من فراغ، بل هما نتيجة لهذا الفضاء المتسع الذي لم يجد ما يملأه، وما يغطي سماءه من أيد عاملة وطنية، وإذا كان البلد يشهد هذه النهضة الاقتصادية الحالمة، فإنه من الضروري أن تتوفر الأيدي التي تحرك عجلة هذا التطور، واذا غابت العقول المواطنة فلابد من ملء الفراغ، وبأي شكل من الأشكال·· ويجب ألا نخجل وألا نتوانى عن قول كلمة الصدق، فالتطور قدر بلادنا، والتقدم في شتى المجالات لن يتم إلا بوجود بشر يحركون ويتحركون لتتم الدورة الصحيحة للحياة، واذا نحن لازلنا نضع التعليم في وعاء واحد، وطريق واحد، وهو الشهادة الجامعية التي تكسب أصحابها الوضع الاجتماعي المميز وعدا ذلك فإن المهن الأخرى والتي هي السبب والنتيجة في الحركة والبركة، فإن التركيبة لن تزداد إلا سوءاً، وأن الحالة الاجتماعية ستظل مدلهمة، قاتمة معتمة ولا حل·· فالثقافة يجب أن تتغير والأفكار يجب أن تتحرك، كما يتحرك الوضع الاقتصادي في البلد، والقيم الاجتماعية التي أكل عليها الزمن وشرب، يجب أن تحيد، وأن يغيب أثرها عن أفكار شبابنا وأبنائنا، وطموحاتهم وآمالهم المستقبلية·· واذا أردنا التقدم على أيدي أبنائنا يجب أن نحرك أولاً عجلة الثقافة العامة، وندير البوصلة باتجاه مفاهيم جديدة تحررنا من قيود وأصفاد هي سبب هذا البلاء الذي نسميه الخلل في التركيبة السكانية· وأبناء الإمارات قادرون على كسر هذا الحاجز، وقد أثبتت التجارب في كثير من ميادين الحياة أنهم جديرون بتحمل المسؤولية ومواجهة الصعب من العقبات والكبوات، فقط علينا أن نضع المنهج وأن نسخر كافة الجهود الرسمية والشعبية لترسيخ المفهوم الجديد، ووضع الأسس والدراسات التي تمكننا من إعداد جيل واع، ومتسلح بقيم التضحية ومفاهيم البذل في شتى الميادين دون تمييز أو وضع علامة استفهام على مهنة معينة أو تخصص معين، فبلادنا بحاجة إلى الصانع والزارع والحرفي، وبلادنا تقع في بؤرة عين العالم ومحل اهتمامه وأطماعه أحياناً، لذلك الاعتماد على الذات والتخلص من شوائب الاتكالية سبيل وحيد وجازم لتحرير الوطن من معضلات التركيبة السكانية واختلالها المزري واعتلالها المؤذي·· ولا أتصور أننا يعجزنا مثل هذا الحل طالما توفرت الإمكانات وتضافرت الإرادات وتعززت العزائم بالتصميم والإصرار على إيجاد الحل، وبلادنا التي بذلت الجهد من أجل الرقي بالإنسان وحفظ كرامته قادرة على تسهيل السبل وفتح آفــــاق جـــــديدة أمـــــام الانســـــان لم يطرقها من قبـــــل، لكي يعطـــــي ويكون شريكاً حقيقياً في البناء والبذل والعطاء·· نحن بحاجة إلى هذا المواطن، إلى ساعده وعقله وقلبه·· ليكون مع الوطن ومنه وفيه وإليه·