انسحاب الإمارات من اتفاقية الوحدة النقدية الخليجية، احتجاجاً ليس لاختيار السعودية مقراً للمصرف المركزي الخليجي، بل لعدم اختيار الإمارات، كما قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، نظراً لما تتمتع به الإمارات من وضع اقتصادي مستقر، ونظام مالي ومصرفي منفتح، ويضاهي أكثر الدول في المنطقة والعالم تطوراً وتميزاً في هذا المجال، ويعد ملف الإمارات الذي تقدمت به في فترة سابقة وطويلة لاستضافة المصرف المركزي الخليجي أكثر الملفات اكتمالاً وملاءمة، ويجعل من الإمارات هي المكان الأفضل لاستضافة هذا المصرف، كون أن اقتصاد الإمارات يمثل ربع الإنتاج الخليجي، ونظامها المالي أكثر الأنظمة شفافية ونمواً، وتطوراً، كما أن الوضع المصرفي في الدولة يعد من أنسب الأوضاع، وأكثرها تأهيلاً للتعامل مع الدول والأسواق الاقتصادية في العالم، هذا غير أن الإمارات لم تحظ منذ قيام مجلس التعاون الخليجي الذي استضافت أبوظبي بدعوة من المغفور له الشيخ زايد الاجتماع الأول لإعلان قيام المجلس بأي مؤسسة أو جهاز أو مقر أمانة أو وحدة تابعة للأمانة، لإدراكها أن الجميع يجب أن يعمل لصالح الجميع، وأن تقديم المصلحة العامة على المصالح الآنية والخاصة يجب أن يسود في منطق الوحدة والتماسك بين دول مجلس التعاون، لذا كانت الإمارات مضحية على الدوام في كثير من الأمور، دون أن تمنّ، ودون أن تنتظر كلمة الشكر، فما تقوم به من أعمال جليلة، وتضحيات جسيمة، إنما هو من أجل صالح الإنسان في دول الخليج. اليوم علينا أن ننظر في دول مجلس التعاون للأمور من زوايا الواقعية السياسية، ومن زوايا المصالح المتبادلة، ومن زوايا تمكين هذا الاتحاد، خاصة في شقه الاقتصادي على النمو والازدهار، ووضعه في يد الأنسب، والأقوى، والأفهم، سواء من عُمان أو الإمارات أو قطر، لأننا نشكل في المحصلة كياناً جغرافياً واحداً، اليوم في دول مجلس التعاون الخليجي، يفترض بنا أننا تجاوزنا المجاملات، وتجاوزنا تسكين المشكلات، وتجاوزنا شعارات القمم الخليجية، الإعلامية، وتجاوزنا النظر بعين واحدة للأمور، فموقع البحرين الاستراتيجي يؤهلها لشيء أكثر من موقع الرياض، وموقع مسقط على بحر آخر أفضل من موقع أبوظبي في بعض الأمور الخاصة، إذا ما نظرنا لدولنا أنها متكاملة، وتتمم بعضها بعضا، وليست شاملة. إن أول معضلة حقيقية سيواجهها مجلس التعاون الخليجي هو الشأن الاقتصادي، لأنه مجال لا يعترف إلا بالرقم، والرقم لا يمكن أن تلويه أو تتحايل عليه بكلمات من اللغة، لأنه فاضح وواضح، ولأنه إن بدأ قوياً فسيبقى الكيان الجغرافي قوياً، لأن أول الانهيارات عادة ما تبدأ في الأساسات والمداميك، فإن كانت قوية، ومستندة على اقتصاد قوي، ساعتها كل الأمور تبدو واضحة، ولا يعترض التنمية أو عملية النهوض أي معضلة أو أحجار عثرة في الطريق. مجلس التعاون الخليجي.. نريده بعيداً عن الارتجال العربي، وعن الحماسة العربية في غير موقعها، وبعيداً عن الشعارات السياسية الجوفاء، وبعيداً عن الشعارات الاجتماعية التي لا تقدم خبزاً أو تعليماً للمواطن، نريده بحجم الحلم، وفي الوقت نفسه نريده أيضاً بحجم الواقع!