نحيا ونركض في غرور الأيام، فتجذبنا النجمة البعيدة ويأسرنا القمر المشع ويغرينا بخدعة الضوء كي نصعد أو نطير لمعانقة المستحيل. وتكون السلالم عادة أول خطوة لنا في الصعود إلى مراتب الحلم، نبدأ اولا بسلالم البيت عندما نزحف ممسكين نتشبث بأول عتبة في السلم للوصول الى السطح لكي نرى العالم من الأعلى، وعلى هذه العتبة الأولى نتعلم معنى السقوط الأول ونتعلم ان نعيد الكرّة مرة واثنتين حتى الاخير، وبعدها ندرك ان في الحياة العشرات من السلالم التي يجب ان نصعدها في رحلة الارتقاء نحو المعنى. في رحلة الحياة بعض الكسالى يعشعشون لسنوات في درجة دنيا واحدة، وهؤلاء يخافون عادة من الارتقاء والقمم فيكتفون بالقاع حيث لا طموح يدفعهم للنهوض ولا ضوء يغريهم للنظر الى الاعلى، يتشبثون في المكان الواحد فيما يمر الاخرون يدوسون فوق أكتافهم ورؤوسهم. ويصبح الانتقال الى الدرجة الثانية حلما بعيد المنال، ومع الزمن تجدهم يتوافقون مع المستوى الادنى في كل شيئ ولا يفضلون الاماكن الشاهقة او تسلق القمم ويموت لديهم حب الاكتشاف والمغامرة ولا يستطيع احد منهم انهاء اكثر من الصفحات الاولى في الكتاب والخطوات الاولى في الدرب والكلمات الاولى في التعبير عما في داخلهم. في الشعر هناك سلالم كثيرة وصعبة وبعضها بلا نهاية، يبدأ الكاتب المغمور بصياغة السطر الاول لكنه يلهث ويتوقف عند السطر العاشر عندما تضيع الفكرة وتختلط عليه علاقات الاضداد فيختار ان يلجأ للنقطة في نهاية السطر. لكن بعض الكتاب من أصحاب الطموح يكرهون النقطة وتصبح الكتابة لديهم عبارة عن استمرار خيط الحياة في نسيج الكلمات التي يبحرون بها بلا توقف. ولذلك نرى في العالم كله قلة من الادباء من يصلون الى القمة ثم يتوزع الباقون على درجات وسلالم الابداع بعضهم في الاعلى قليلا وبعضهم يختار الوسط والكثرة الكاثرة تظل تقبع وتنسج في القاع كلمات غير مضيئة بلا حرارة ولا نار لا تجذب القريب ولا البعيد. وفي الكتابة والابداع قد تنعكس احيانا فكرة سلم الارتقاء فيصبح الغوص والنزول إلى الأعماق صعودا فنيا لان الباحث عن كنوز المعرفة هو الذي يسبر الاغوار السحيقة ليعود بمكنونها إلى السطح. بعض الفلاسفة والمفكرين يصعدون على سلالم اللانهاية، تلك السلالم التي لا يعرف احد أين آخرها. وهؤلاء هم الصفوة والقلة من أصحاب العقول التي لا ترى مستحيلا حيث يشدها المجهول الى القفز بقوة في سراب المغامرة الفكرية فيدخلون إلى وديان لم يطأها احد ويفتحون ابوابا ظلت مغلقة على اسرارها. والاهم ان هؤلاء لا يفكرون في العودة من رحلة البحث تلك ولا يعرفون معنى النزول او العودة الى البدايات الساذجة وهؤلاء في العادة يذوبون في الضوء البعيد وتتحول الى كلماتهم الى نور يبعث الحياة في العقول المظلمة ويفتح افقا جديدا في دروب الكشف ومعرفة الحقيقة مهما كان الثمن.