الجيران فاكهة الحياة حين يكونون من نوعية اولئك الذين يفتقدونك اذا غبت ويتفقدونك اذا لم تلح سيارتك أمام منازل الحي كل صباح ومساء جيئة وذهابا ، أو اذا لم تشعل أضواء السور قبل أذان المغرب ، أو اذا لم تحمل لهم الفلبينية التي تعمل عندك صحن طعام طهوته خصيصا لهم لترد عليهم صحن الهريس أو المحشي الذي ارسلوه لك منذ عشرة أيام ، مع ذلك فهناك جيران تعرف أنهم يسكنون في البيت الملاصق لبيتك لكنك لا تعرف من هم على وجه التحديد ، فأنت لا تراهم عادة حين يخرجون لوظائفهم مبكرا ولا حين يعودون مساء ، كما أنك لا تسمع صراخ أطفالهم ، كل ما تعرفه أن لديهم خادمة سريلانكية تطرق بابك بين وقت وآخر بحثا عن كرة الاطفال التي سقطت في فناء منزلك أثناء لعبهم يوم الجمعة !! هذه صورة حقيقية لطبيعة الجيرة والجيران في أحيائنا السكنية ، فالعلاقات التي تسود حاليا بين الجيران في الأحياء المختلفة تعتمد نمط علاقات وسلوكيات لم يعتدها أهلنا كبار السن تحديدا ، فجيل الجدات والأمهات مازلن يمارسن حياة ماقبل التحولات الجذرية التي حدثت للمجتمع ، حيث مازلن أسيرات تلك الايام التي يعتبر فيها التواصل اليومي بين الجيرات أمرا مهما ودليل حيوية وعافية ونبل أخلاق وتدين على اعتبار أن الرسول أوصى بالجار ، والجار قبل الدار ، وعادة ما كنا نرى جدتي تمعن في التودد لبيت جيراننا المقابل لمنزلنا وحين نسألها تقول إنهن جيران القبلة ، لأنهم في موقع القبلة ولذلك فلا بد أن يحظوا بود وتراحم أكثر حسبما تعتقد أو هكذا تم تلقينها على امتداد سنوات التنشئة . اليوم لا يخرج الناس من قصورهم ومنازلهم الفخمة والشاهقة التي تشبه الحصون والقلاع ، لقد تمترسوا خلف الاسوار مع جموع من الخدم والخادمات الفلبينيات والإثيوبيات ، حتى يبدو عدد الخدم في أحيان كثيرة ضعف عدد سكن المنزل ، لم يعد التزاور طقسا حياتيا في الاحياء السكنية ، لم تعد ترى امرأة تمشي من بيتها لبيت جارتها سعيا لأجر التزاور ولألفة التواصل ، وإن رأيت فلا بد أنها سيدة كبيرة السن مازالت تعتقد أن للجار حقا وأن الزيارة ضرورة اجتماعية وأنها الحصانة النفسية الاولى ضد امراض الوحدة والاكتئاب والعزلة في البيوت الشاهقة. كنت ومازلت أعتقد مثل جدتي بأننا فرطنا في هذه الفريضة الاجتماعية إن صح اعتبار التزاور كذلك ، لقد فرطنا بسبب الاهمال واللامبالاة حينا ، ولظروف العمل والانشغالات أحيانا ، وتحت وطأة ظروف التحولات والتنقلات التي حكمت حياتنا الاجتماعية حين اضطر كثيرون للانتقال عبر عدة منازل ما جعلهم- تدريجيا – يفقدون جيرانهم الذين اعتادوا الحياة معهم وبفقد الجيران القدماء فشل الكثيرون في تأسيس علاقات جيرة عميقة ومتجذرة وحميمة ما أدى لانكفاء هؤلاء داخل بيوتهم والاكتفاء بالتواصل مع المقربين من الاهل والابناء أو الجيران القدماء عبر الهاتف أو الزيارات المتقطعة وعلى فترات متباعدة. إن التغيرات الاجتماعية والثقافية والديمغرافية في تركيبة وبنية المجتمع قد أثرت في هذه العلاقات بحيث ولدت ظاهرة التباعد والقطيعة بين أبناء الحي الواحد خاصة في تلك الأحياء الجديدة النشأة التي تأسست على جموع من القادمين من أحياء مختلفة لم تبذل أية جهة جهودا من أي نوع لتجسير الفجوة بينهم وتيسير عملية التواصل من قبيل الانشطة الاجتماعية في الحي أو حفلات التعارف واللقاءات مثلا لانعدام مراكز خدمية من هذا النوع في أحيائنا السكنية بوجه عام ، ولهذا لا يعرف الناس جيرانهم هذه الايام ... للأسف !! ayya-222@hotmail.com